ما حكم الإهداء للجان التحكيم والمراقبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3100)
السيد: رئيس مجلس إدارة اتحاد موردي ومصنعي الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد؛
فبالإشارة إلى مراسلتكم، والمتضمنة التالي:
موظف حكومي يتقاضى مرتباته، ويتم إيفاده في مهمة رسمية، ضمن فريق عمل من قبل وزارة الصحة، للتفتيش على مصانع أدوية ومستلزمات طبية، لمعرفة مطابقتها للجودة واللوائح العالمية، ومِن ثَمّ الحكم عليها بتسجيلها في الوزارة أم لا، وبعد التسجيل يسمح للشركة بتداول أدويتها في السوق الليبي، والعكس في حال الرفض، ووزارة الصحة – عن طريق إدارتها المختصة – تفرض على شركات استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة المحلية، أو الشركات المصنعة الأجنبية التي يقومون بزيارتها والتفتيش عليها؛ أن تدفع لكل موظف تذكرة سفر بالدرجة الأولى، وتكاليف إقامة كاملة بفندق (خمسة نجوم)، والإعاشة والمواصلات، ومبلغ مالي كبير (مصروف جيب) بالعملة الصعبة نقدًا، وتلتزم الشركة الخاصة المحلية أو الأجنبية بتحمل نفقات ومصاريف المرافق للموظف، باستثناء مصروف الجيب، مع أن القانون المالي قد نظم هذه المصاريف بدقة، وسماها: (علاوة مبيت)، تُمنح للموظف الموفد في مهمة رسمية من قبل الدولة، وفق جداول محددة، مصنفة وفق درجته الوظيفية والمنطقة الموفد إليها، وهي علاوة تدفع مقدمًا من قبل الجهة الحكومية الوافدة للموظف، ولكن الموفدين لا يريدون تكبد الإجراءات المنظمة وتأخر الصرف، وعندما اعترضنا على هذا الإجراء – باعتبارنا مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تعنى بهذا الخصوص – عقد البعض من أعضاء وزارة الصحة – ومنهم من هو مستفيد من هذه الإيفادات – اجتماعًا، قدموا بعده مذكرة لوزير الصحة، على لائحة تنظم هذا العمل بالكيفية المذكورة في سنة 2014م، فوافق الوزير على ذلك، فما حكم هذه الأموال التي يأخذها الموظف؟ وهل سنّ لائحة في ذلك يجعلها من الكسب الحلال؟ مع أننا قد سألنا المستشار القانوني للوزارة، وأخبرنا أنها مخالفة للنظم واللوائح.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن اللجنة الموفدة من قبل وزارة الصحة للاطلاع والتفتيش عن مدى جودة مصانع الأدوية، وتطبيقها للقوانين واللوائح العالمية، هي لجنة مشَكَّلَة لإصدار حكمٍ على الشركة، يُبيِّنُ صلاحية الشركة مِن عدمِها، ويترتب على ذلك استيراد أدوية ومستلزمات طبية، في حال إقرار هذه اللجنة على أهليّة وصلاحية الشركة للاستيراد منها، فحكمُها على هذه الشركة كالحكمِ الذي تُصدره الهيئات القضائيةُ، أو المحكَّمُونَ في قضيةٍ ما، ومعلوم أنه لا يجوز للقاضي أن يقبل هدية مِن المحكوم عليه، لا أثناءَ المحاكمة؛ بأن تدفع لكل موظف تذكرة سفر، وتكاليف إقامة كاملة بفندق خمسة نجوم، والإعاشة والمواصلات، ومبلغ مالي بالعملة الصعبة نقدا، ولا عقب صدور الحكم؛ بإعطائه منحة، أو ما شابه ذلك من الهدايا؛ لأن ما يقدم للجنة من إكراميات قد يحُولُ دونَ إظهارِ عيوبِ الشركة المفتّش عنها بالصورةِ الصحيحة، فما يقدَّم للجنةِ هو من هدايا الحكام، والهدية للحكام يصنفُها العلماء في بابِ الرشوة؛ وأكل المال بالباطل، قال الله تعالى: )وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ( [البقرة:188].
وما أعطي بناء على قرارات مخالفة لما ما تنص عليه اللوائح المنظمة لمثل هذه البعثات، هو من الغلول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول) [مسندأحمد:23090].
ويُعدّ فِعلُ مَن أصدر القرار باعتماد عمل اللجان الموفدة على نحو ما ذكر، ومَن أعانَ عليه بالمخالفة لقانون الإيفادات المقرر في القانون المالي الليبي – حسب ما جاء في السؤال – يُعد مِن خيانةِ الأمانةِ التي أسندت إليهم، وقد حذّر الله تعالى من خيانة الأمانة، فقال: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ( [الأنفال:27]، وهو من الغشّ للرعية، التي استرعاهم الله تعالى إياها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن عبد يسترعيه اللهُ رعيةً يموتُ يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة) [مسلم:1459/3]، وحتى لو كانت اللوائح تسمح بمثل هذه الهدايا، فإنّه يجبُ تعديلُها، ولا يصح العمل بها؛ لمخالفتها للأحكام الشرعية، وعلى المسؤولين في أجهزة الرقابة في البلد محاسبةُ مَن يُصدرونَ هذه القراراتِ المخالفة وأمثالها؛ ليكونوا عبرة لغيرهم، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29/محرم/1438هـ
30/أكتوبر/2016م