ما حكم المشاركة في صندوق التكافل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3127)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم المشاركة في صندوق التكافل التابع للشركة العربية للإسمنت – المرفق عقده – والاستفادة من خدماته؟ وما حكم المكافآت المالية الممنوحة للمكلفين بأعمال الصندوق؟ مع العلم أننا ملزمون بأدائها بمقابل، وما هي الإصلاحات الممكنة لو كانت هناك مخالفات شرعية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا حرج في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي؛ لأنه من التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينا لهذا الصندوقِ طواعيةً منه – كما في نصّ اللائحة المنظمة له – هو لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعين غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إن الأشعريينَ إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة؛ جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية، فهم منّي وأنا منهم) [البخاري:2486، مسلم:2500].
فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحد المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ مُضِرٌّ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبن، وقد نصّ علماؤُنا رحمهم الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر، وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات … ومنهم من فصل – وهو مالك – بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو باب المماكسات والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال، وما يقصد به تحصيلها، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو ما لا يقصد لذلك …، وثانيهما ما هو إحسان صرفٍ لا يقصد به تنمية المال؛ كالصدقة والهبة والإبراء، فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على مَن أحسن إليه بها لا ضرر عليه ـ أي بفواتها؛ لأنه يبذل شيئًا نظير ما فاته ـ بخلاف القسم الأول، إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه” [الفروق:137/2].
وبعد الاطلاع على العقد تبيَّنَ أنه عقدٌ صحيحٌ؛ إذ لا جهالة فيه ولا غرر، وقد نص على أن اشتراك المستخدمين فيه يكون اختياريا، دون إلزام، والتأمين التعاوني قائم على التبرع والتعاون، والأصل أن ما دفعه المتبرع لا يرد إليه، مع التنبيه على ما جاء في مادة صرف الإعانات في حالة وفاة المشترك، فيجب إعطاء الإعانة لأسرة المتوفى للاستفادة منها، لا ليعينوهم على شراء الذبائح وإطعام الطعام، فإن طعام الميت منهي عنه؛ لما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) [ابن ماجه:1612].
وأما مكافأة من كلف بعمل غير عمله في أثناء الدوام الرسمي – كما هو حال اللجنة المكلفة بأعمال الصندوق – فقام به كما ينبغي، فيرجع فيه إلى اللوائح والقوانين، بشرط أن يكون هذا العمل مما يحتاج إليه حقيقة، وليس حيلة لرفع المرتب، كما يشيع كثيرا اليوم في إدارات القطاع العام، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20/صفر/1438هـ
20/نوفمبر/2016م