بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3176)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا المواطنة (س)، متزوجة من (ص)، تونسي الجنسية، ولي منه ابنان.
في شهر يوليو الماضي كنت أدردش معه على الفيس، واحتد النقاش، فأرسل لي رسالة: (أنتِ طالق)، وبقيت على ذمته؛ لأنه قال لي: (سألت شيخ الجامع، وقال لي ما تمشيش طلقة).
وفي شهر أغسطس كنت في تونس، وهو في ليبيا، وأراد أن نتواصل عن طريق النت، ولكن لم يكن عندي رصيد، فأرسل لي رسالة على النقال: (والله العظيم ثلاثة لو كان ما تعبيش رصيد توا وتفتحي النت، تحرمي علي إلى يوم الدين… وكل واحد يمشي على حاله)، ثم أكد ذلك برسالة أخرى بعد عشر دقائق، بنفس الألفاظ تقريبا، ولكني لم أشحن الرصيد؛ لأنه لم يكن عندي مال.
وبعد خمسة أيام أرسل لي رسالة أخرى، نصها: (راسك أنت مش أصح من راسي، أنت تبقي حرام علي ليوم الدين لو ما تحليش نت، تصرفي، كلمي شكون يحولك رصيد، وأنا نستنى، ونكلم فيك بكامل قواي العقلية؛ يعني الكلمة هادي تمشي)، فرديت عليه: (اليوم جمعة، والدكاكين مغلقة، وما عنديش رصيد)، ثم رجعت إلى ليبيا، واستمرت الحياة بيننا.
وفي شهر ديسمبر الحالي، اختصمنا فطردني من البيت، فلما ذهبتُ لحقني قبل أن أدخل بيت أهلي، وأراد مني الذهاب معه، ولما تمنعت وأردت دخول بيت أهلي قال لي: (عَلَيَّ الطلاق كان دخلتِ بيت أهلك)، فدخلتُ، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا كان الحال كما ذكر في السؤال، فإنّ الطلقة الأولى التي أوقعها الزوج بكتابته لزوجته عبارة: (أنت طالق) طلقة لازمة؛ لأن الطلاق يقع بالكتابة، ولو لم يُتلفظ به؛ لأنها وسيلة من وسائل التعبير، قال الدردير رحمه الله: “(وبالكتابة) لها أو لوليها (عازما) على الطلاق بكتابته، فيقع بمجرد فراغه من كتابة هي طالق” [الشرح الكبير:2/384].
وأما باقي الطلقات المذكورة في السؤال، فهي من الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه، وهذا النوع يقع إذا وقع المعلَّق عليه، عند جماهير أهل العلم، من المذاهب الأربعة وغيرها، وتعليقه بلفظ يدل على الحرمة هو من الطلاق البائن بينونة صغرى.
إلَّا أنّ قول الزوج: (تحرمي علي إلى يوم الدين) يلزم منه البينونة الكبرى؛ قال ابن رشد رحمه الله: (فإذا قال الرجل لامرأته: “أنت طالق أبدا”، فهي ثلاثة) [البيان والتحصيل:6/114]، وقال ابن الحاج رحمه الله: (إن قال لزوجته أنت طالق إلى يوم القيامة فهو كقوله أنت طالق أبدا، ظاهر المدونة أنها ثلاث) [التاج والإكليل للمواق:4/62].
وعليه؛ فتكون الزوجة قد بانَتْ من زوجها بينونةً كبرى، فلا تحلّ له حتى تنكحَ زوجًا غيره نكاحَ رغبة، ثم يطلقها أو يموت عنها.
وقد أخطأتِ برجوعكِ إليه بعد وقوع الحِنْث وانفصام الزوجية؛ لأنك لم تلبي طلبه في الحين بتعبئة الرصيد وفتح النت، فعليكما التوبة النصوح من ذلك.
وأما الطلقات بعد رسالة النقال الأولى فلا أثر لها؛ لأنها لم تقع على محل بعد وقوع البينونة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11/ربيع الآخر/1438هـ
9/يناير/2017م