بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3305)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا محامٍ، تقدم إليَّ مدعٍ، تحصل على درجة البكالوريس في الطب والجراحة، من إحدى كليات الطب البشري، بإحدى الجامعات الليبية، وقد أنهى فترة التدريب التكميلي – وهو ما يسمى بـ(سنة الامتياز) – في المدة المحددة، وهي سنة واحدة، وهي المدة التي يتطلبها القانون لمزاولة مهنة الطب، وطالبُ الامتياز عند مباشرته مهنة الطب خلال سنة الامتياز، يستحق مكافأة مالية شهرية مقطوعة، بواقع أربعمائة وخمسين دينارا شهريا، وذلك بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة للصحة سابقا رقم 402، لسنة 1424، وقرار وزير الصحة رقم 24، لسنة 2013م.
ولكن وزارة الصحة لم تلتزم بتنفيذ قرارها، حتى تراكمَ المبلغ، وأصبح يقدر بحوالي خمسة آلاف وأربعمائة دينار، وهذا التأخير في صرف المستحقات أدى إلى أضرار مادية، وأخرى معنوية للمدعي، فجاء مطالبًا برفع دعوى للمطالبةِ بالمكافأة كاملة، والتعويض عن ما لحقه من ضررٍ، وحيث إني أخشى أن يكون ثمت شبهة ربا في المطالبة بالتعويض.
فهل يجوز رفع دعوى للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن التأخير في صرف المكافأة، بغض النظر عن جسامة الضرر؟ وهل تعد المكافأة في حكم الدَّين، فيكون التعويض عن التأخير من الربا؟ وهل يقاس هذا الأمر على دعوى المطالبة بالتعويض عن التأخير في صرف المرتبات للعامل أو الموظف؟ وما هو تفسير نص الفقرة الثالثة من المادة 224 من القانون رقم 6 لسنة 2016، بشأن تعديل بعض أحكام القانون المدني، والتي جاء فيها: (يستثنى من التعويض عما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، ما إذا كان محل الالتزام دينا من نقد)؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فأخذ التعويض عن التأخير في دفع نقدٍ ترتب في الذمة لا يجوزُ شرعًا؛ لأنه زيادة على الدَّين، بعد ثبوته وترتبه في الذمة، وهي ربا، والربا من أكبر الكبائر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) [آل عمران:130-132]، وعن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) [مسلم:1598]، ولأنّ التعويض عقوبة بالمال، زائدة على العقوبة المقدرة شرعًا، وهي وجوب ردّ المالِ في حينه، قال الدسوقي رحمه الله: “أَمَّا الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ فَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ على أنها لاَ تَجُوزُ” [حاشية الدسوقي:46/3].
وعليه؛ فلا يجوز للسائل رفع دعوى بطلب التعويض عن التأخير في صرف المكافآت ولا المرتبات، المترتبة في ذمة جهات العمل، والمادة القانونية المعدلة المذكورة في السؤال دالةٌ على ذلك، فإنها استثنت – بمقتضى القانون – من التعويض المسموح به، ما إذا كان التعويض عن دين نقد تأخر دفعه، وهذا التعديل للمادة المذكورة هو من عمل اللجنة، التي كلفها المؤتمر الوطني العام بمراجعة القوانين، وتعديلها بما يوافق الشريعة الإسلامية، فللّه الفضلُ والمنةُ، ومن الإنصافِ أن يسندَ الفضلُ لأهلهِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25/شعبان/1438 هـ
22/مايو/2017م