صرف الدولار واستلامه عن طريقة بطاقة الفيزا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3274)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكمُ الحصولِ على مخصَّصِ النَّقد الأجنَبي، بقيمة أربعمائة دولارٍ (400$)، الذي تمنحه المصارف الليبية للمتقدمين بطلباتهم؛ بناءً على إذن المصرف المركزي بالشروع فيها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّه بناءً على خطاب دار الإفتاء ذي الرقم الإشاري (426)، المؤرخ في (22/رجب/1438هـ)، الموجَّهِ لمصرف ليبيا المركزي بالخصوص، وبعد موافاتنا بمنشورِ مصرف ليبيا المركزي، ذي الرقم الإشاري (2017/3)، الموضِّح لآلية إتمام معاملة حصول المواطنِ على مخصَّصه من النقد الأجنبي، بقيمة أربعمائة دولار (400$)، نفيدكم بالتالي:
- 1.إنَّ قيامَ العميل بتقديم طلبٍ لمصرفه، الذي به حسابُه الجاري بالعملةِ المحلية، بفتح حسابٍ فرعيٍّ له بالعملة الأجنبية، لإتمام إجراءات الحصول على المخصّص من النقد الأجنبي، وطلبَه من مصرفه القيامَ بعملية المصارفةِ لصالحه بين حسابَيه، هو في حقيقته وكالةٌ بالصرفِ، وقد أجمعَ الفقهاءُ على جوازِ الوكالةِ في البيع، والصرفُ بيعٌ، جاءَ في المدوَّنة: (ولا يصلحُ للرجلِ أن يصرف ثم يوكِّل من يقبض له، ولكن يوكل من يصرف له) [المدونة الكبرى 9/3].
- 2.إنّ من شروط صحة الصرفِ قبض العوضينِ في مجلسِ الصرفِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ) [مسلم/2978]، والقبض في كلّ شيء بحسبه، وعرّفه ابنُ عرفةَ بقوله: (رفعُ خاصيّةِ تصرُّفِ المِلكِ فيه عنه بصرفِ التمكّن منه للمعطِي أو نائبِه) [شرح حدود ابن عرفة للرصاع (415)]، وقال ابن قدامة: (ولأنّ القبضَ مطلقٌ في الشرع، فيجب الرجوعُ فيه إلى العرفِ كالإحراز والتفرّق) [المغني لابن قدامة: (85/4)]، ومن صوره ما جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، من اعتبار القبض الحكميّ في الأموال، ونصُّه: (ثانيًا: إذا كان للعميل حسابٌ لدى مصرفٍ بعملةٍ ما، فأمَرَ المصرفَ بقيدِ مبلغٍ منه في حسابه بعملةٍ أخرى، بناءً على عقد صرف ناجز تَمَّ بينه وبينَ المصرف، واستيفاءِ المبلغ الذي اشترى به من حسابه، فيعتبرُ القيدُ المصرفيُّ المعجّلُ بالعملة المشتراةِ قبضًا حكميًّا من قِبَلِ العميل الآمِر، ويعتبرُ الاقتطاعُ الناجزُ من قِبَلِ المصرف للبدلِ من حساب العميل قبضًا حكميًّا له من المصرف. ويُعَدُّ مجموعُ ذلك بمثابة التقابض بينَ البدلين في الصرف – وإنْ اتّحدَتْ يدُ القابض والمُقْبِضِ حسًّا)، وهو مبنيٌّ على أنّ اليدَ الواحدةَ تكون قابضةً دافعةً في آنٍ واحد.
وجاء في قرارِ مجمعِ الفقهِ الإسلامي رقم: (6/4/55) في دورتِه السادسةِ بجُدّة، شعبان 1410هـ، أنّ من صورِ القبض الحكمي المعتبرةِ شرعًا وعرفًا القيدَ المصرفيَّ: (ج – إذا اقتطع المصرفُ بأمر العميلِ مبلغًا من حسابٍ له إلى حسابً آخرَ بعملةٍ أخرى، في المصرف نفسِه أو غيرِه، لصالح العميل أو لمستفيدٍ آخرَ).
وجاء في النقطة (4) من منشور مصرف ليبيا المركزي؛ أنّ الصرف يتمُّ (وِفق السعر الرسمي يومَ الشراء)، وذلك يدل على أنّ الصرفَ يحصل بين العوضين في المجلس نفسِه.
- 3.بقي النظر في طريقة استيفاءِ المواطنِ مخصَّصَه من النقد الأجنبي، بعد تحقّقِ التقابض – على ما سبق ذكره من اعتبارِ القيد المصرفيِّ قبضًا حكميًّا – وقد جاء في منشور مصرف ليبيا المركزي؛ أنّ الاستيفاءَ يتمّ بواحدة من طرق ثلاث، إمّا عن طريق الحوالات السريعة كــ(الوسترن يونيون)، و(الموني جرام)، وإمّا عن طريق بطاقات (الفيزا أو الماستر كارد)، وإما عن طريق السحب النقدي، في حال رفع الحظر على توريد العملة الأجنبية، ولأن الحظر لم يرفع بعد، فعدُّه في العقد أحد طرق القبض غررٌ؛ لأنه قد يحصل وقد لا يحصل؛ لأن الاعتداد بالقبض الحكمي ملاحظ فيه أنه يؤدي تلقائيا إلى القبض الحسي بصورة مضمونة ولذا فيجب استبعاد هذه الطريقة من التعاقد لأنها تفسده.
أمّا استيفاءُ المخصَّص عبر بطاقاتِ الفيزا، التي تتعامل بها المصارف الليبية في الوقت الحاضر، سواء في مسألة الأربعمائة دولار أو في غيرها، فإنه لكثرة ما يصحبها من خلل في عدم الوفاء بشروط التعاقد، لا يُعَدُّ قبضًا حكميًّا؛ لأن الواقعَ الذي يعانيه كثيرٌ ممن صرفت لهم هذه البطاقات، وهم خارجَ البلدِ لأجل الدراسة أو العلاجِ، أو غير ذلك من خلال الشكاوى التي يقول أصحابها إنهم يتمكنون من السحب حينا حسب الشروط المتفق عليها، ولا يتمكنون أحيانا! إما بسبب المماطلة والأعذار المتكررة، التي تظهر لهم في الشاشة عند السحب، أو بسبب أنها تسحب لهم أقل من القدر المتفق عليه، ومنهم من يُحرَم من استيفاءِ ما في بطاقتِه في الوقت المحدد، ويرجع إلى بلده دون إن يستوفيه، وهو في حاجة إليه، فالقبض الحكمي الذي لا يكون مضمونا، ولا يمكن صاحبه من الوصول إلى القبض الحسي، حسب شروط العقد؛ لا يعد قبضًا، وفِي حكم العدم، ويؤدي إلى صرف غير ناجز، وهو محرم إجماعا.
ولذا؛ ينبغي استبعاد هذه الصورة أيضا من عقد المصارفة، إلى أن تصلح المصارف الليبية أمرها، وتكون بطاقات الفيزا الصادرة عنها مضمونة السحب، كما هو الحال في البطاقات الشبيهة لها، المتعامل بها دوليا.
وأما استيفاءُ المخصَّصِ عن طريق الحوالاتِ السريعة، من الشركات الماليةِ الموثوقةِ، كـ(الوسترن يونيون) أو (الموني جرام)، فهو جائزٌ، بشرط أن تخصم العملة الليبية من الحساب، وتحول بإجراء نافذ، غير قابل للرجوع عنه.
وعليه؛ فالمعاملةُ جائزةٌ شرعًا على هذه الصورة، وهي أن تتم عن طريقِ الحوالاتِ السريعةِ؛ بناءً على الشرط الذي ذُكِر، وغير جائزةٍ عبرَ البطاقاتِ بالصورة القائمة حاليا، وينبغي استبعادها من التعاقد إلى أن تصلح المصارف الليبية أمرها، بضمان تفعيلها تفعيلا لا يتخلف، وفق شروط العقد، ونأمل من المسؤولين في مصرف ليبيا؛ أن يصححوا منشورهم بالخصوص، وفق الحكم الشرعي المذكور، وذلك حتى تتم المعاملة بصورة جائزة، ولا يكونوا سببا في أكل الناس الربا، قال جابر رضي اله عنه: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) [مسلم: 2807]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07/ذو القعدة/1438هـ
31/يوليو/2017م