بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3358)
الأستاذ/ رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم التي جاء فيها: (كما تعلمون؛ فإن عقارات الوقف كانت مستباحة من النظام السابق، كما هو الحال في أملاك الناس، وكان التصرف فيها يتم بموجب رسالة من جهات سيادية، تفرض تخصيص هذا العقار أو هذه المنطقة كلها لجهة أو أفراد، وكان أحيانا – من باب التلاعب – يتم بصورة البيع والشراء، أي تودع أموال زهيدة جدًّا في خزينة الوقفِ، للإيهام بأن العقار قد باعته الأوقاف، وهو في الحقيقة بيعٌ بدون إرادتها.
والسؤال المطروح: ما الذي ينبغي فعله الآن؟ هل نطالب بالتعويض ببدل عنها، مما تملكه الدولة من عقارات ملكا حقيقيا، أم باسترداد ما يمكن استرداده؟).
والجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا يحل لأحد الاعتداءُ على أموال الوقف، ولا على عقارات مؤسسات الدولة، ولا عقارات المواطنين الخاصة، مهما كانت المبررات، قال الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ( [النساء:29]، والتعدي على المال العام هو من الغلول؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَّغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:161]، والذي فعلته الجهات المتعدية على هذه العقارات هو غصبٌ، محرمٌ شرعًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، محذرًا من التعدي على أملاك الغير وعقاراتهم: (مَن أخذ شبرًا من الأرضِ بغير حقّه، طُوِّقَهُ في سبعِ أرضينَ يومَ القيامة) [البخاري:2453،مسلم:1612]، والتعدي على مال الوقف وعقاراته أعظم ظلما وأشد حرمة.
وعلى الهيئة العامة للأوقاف المحافظة على أملاك الوقف، وعدم التهاون فيها، والاجتهاد بكل السبل المشروعة لتحصيلها؛ كالاتجاهِ إلى القضاءِ ونحوه؛ لإبراءِ ذمتِهِا، فإنّ اللهَ استرعاها على هذه الأملاك؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألَا فكُلّكم راعٍ، وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتِهِ) [البخاري:853،مسلم:1829].
والواجب استردادُ عين عقارات الوقف المغتصبة، أو التي بيعت بيعا غير مشروع، وتضمين الغاصب غلتها طيلة مدة الغصب، إذا استفاد منها، قال ابن عبد الرفيع رحمه الله: “المشهور من المذهب أن الغاصب يضمن غلة ما غصبه من العقار والرباع، سواء اغتلها لنفسه أو أكراها” [معين الحكام:826/2].
فإن تعذر رد الأراضي المغتصبة بعينها، فيجوز المطالبة بالتعويض عنها، بما هو خيرٌ منها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
05/ذو الحجة/1438هـ
27/أغسطس/2017م