بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3395)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
كنت أرغب في شراء شيء من (كندا)، ونظرا لغلاء الدولار في السوق السوداء، لم أتمكن من شراء المطلوب، فعرض علي الأخ (س) بطاقته المصرفية (فيزا مصرف الجمهورية)، وقال لي: (هي خالية من الرصيد، تستطيع أن تشحنها وتستعملها)، فأخذتها، وكلمتُ عمي؛ لأن له تعاملات في كندا، فقال لي: (سأشتري لك أوّلا ما تحتاجه بمالي الموجود في كندا، وبعد شحن البطاقة سأقوم بسحب المبلغ الذي دفعتُه في الشراء)، وأخَذ البطاقةَ وأرسلها إلى صديق له في كندا، وهي غير مشحونة؛ لأن شحنها يتطلب بعض الوقت كإجراءات إدارية، وتم شراء الغرض المطلوب وإرساله إلى ليبيا، وفي فترة انتظاري لشحن البطاقة قال لي الأخ (س) صاحب البطاقة: (أريد ألف دولار من البطاقة)، ويعني أنه سيشتري مني الألف دولار بالليبي بسعر المصرف، فقلت له: (خيرًا إن شاء الله)، واستحييت منه في ذلك الوقت، ولم أعرف كيف أتصرف، علما بأن قيمة ما اشتريته من كندا أكثر من الرصيد المسموح به لتعبئة البطاقة، ومعنى ذلك أني لن أستطيع بيعه الألف دولار إلا بشرائه من السوق السوداء، وهي قيمة لو كنت أعلمها من البداية لما أقدمت عليها، لكني في الوقت ذاته لم أقل له لما طالبني: (لا أستطيع؛ لأني صرفتهم)، مما جعل الأخ (س) يعقد الأمل أنه سيتحصل على ألف دولار، وبقي ينتظر ويطالب.
وبعد فترة شحنت البطاقة، واتضح أن الشخصَ الذي أرسل له عمي البطاقة في كندا غيرُ أمين، فطلب مني عمي كشف حساب للبطاقة، حتى يتسنى له محاسبته، فذهبت للأخ (س) وطلبت منه الكشف، فغضب، وقال لي: (أين الألف دولار التي طلبتها منك؟ فهي من حقي، وأنت نصبت علي، وأريد حكم الشرع، لو هي من حقي أريدها، ولن أسامح فيها لا دنيا ولا آخرة)، فهل هذه الألف من حقه؟ علما بأني مَن شحن البطاقة بالمبلغ الليبي، وعندما أعطاني بطاقته لم يقل لي: أريد ألف دولار.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنك أخطأت ابتداءً؛ لأنك لم تبين لصاحب البطاقة عندما طلب منك أن تبيعه ألف دولار بالسعر الذي تشحن به البطاقة، أنك لا تستطيع ذلك؛ لأن الغرض المطلوب شراءه يستنفذ رصيد البطاقة المسموح به كله.
وهذه الموافقة هي وعد بالبيع لشيء لم تملكه بعد، وهو منهي عنه، ولا يجوز لك بيعه حتى بعد تملكه؛ لأنك مدين به لعمك، مقابل ما اشتراه لك من كندا، والبطاقة عنده.
ثم إن الوفاء بالوعد بأمر مباح أو مندوب لا يلزم الوفاء به، بل هو مستحب، إلا إذا كان على سبب، كأن قال له: دائنْ فلانا، أو بعْ، أو تزوجْ وأنا أعطيك كذا، ونحو ذلك، ودخل الموعود في السبب، فيلزمه حينئذ الوفاء.
ومما سبق يتبين أنه لا يلزم السائل بيع الألف دولار لصاحب البطاقة، خاصة وأنه وافق على طلبه حياءً، ويرى العلماء حرمة ما أخذ بسيف الحياء، وأن سيف الحياء أقطع من سيف الغصب والجور، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26/المحرم/1439هـ
16/أكتوبر/2017م