بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3480)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أتعامل مع شركة إيطالية، وعندما أحتاج مبلغًا من الدولار أوفر مقابله بالدينار الليبي، حسب سعر السوق، ثم أتصل بقريب لي في الخارج، وأتفق معه على سعر الدولار، فيقوم بتحويل المبلغ المطلوب إلى حساب الشركة في إيطاليا، ويقول لي: المبلغ بالدينار اتركه عندك حتى أكلمك بخصوصه، فأتركه في جانب لا أتصرف فيه، حتى يأمرني بالتصرف فيه بحسب مصلحته، واستمر الحال على ذلك، حتى نبهني شخص إلى حرمة هذه المعاملة، فإذا كان الأمرُ محرما، فما هو الصواب؟ وكيف أتصرف في آخر معاملة تمت بيننا، حيث حول لي عشرة آلاف دولار، وما زلت محتفظا حسب طلبه بالمبلغ الذي يقابلها بالدينار الليبي؟ هل تمضي على ما اتفقنا، أم أعتبر ما حوله إليّ دينًا في ذمتي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذه المعاملة من قبيل الصرف، وشرط صحة الصرف أن يحصل التقابض عند العقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة..) إلى أن قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) [مسلم:1587]، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على ذلك.
فلا يجوز لأحد أن يعطي عملة في بلد ليأخذ عنها عملة أخرى في بلد أخر، إلا إذا كان عنده وكيل في البلد الآخر، يقبض العملة الأجنبية في مجلس العقد نفسه، أو يقوم الطرف الذي قبض المال في المجلس بإعطاء أمرٍ، تخصم بموجبه العملة المقابلة من حسابه على الفور، لصالح حساب الطرف الآخر، بحيث يكون هذا الخصم نهائيا، لا يمكن الرجوع فيه، والصك المضمون “المصدق” المقبوض في المجلس ينزل منزلة قبض العملة.
والتشديد على التقابض ظهرت حكمته جلية واضحة في العصر الحديث في أسواق البورصة؛ حيث إن التأخير فيه لدقائق تترتب عليه فروق، قد تصل أحيانا إلى الملايين، الأمر الذي يفتح باباً واسعاً للتحايل والنزاع.
وعليه؛ فإن هذه المصارفة المذكورة لا تجوز؛ لعدم القبض الفوري، لا حقيقة ولا حكما، فهو بيع باطل، ومعنى بطلانه أن يعود لكل منكما ماله كما كان قبل العقد، فإن فات بالتصرف في المال صار ديناً على من قبضه؛ قال ابن القاسم رحمه الله: “وكل ما كان من حرام بيِّن ففسخ فعلى المبتاع رد السلعة بعينها، فإن فاتت بيده رد القيمة فيما له قيمة، والمثل فيما له مثل” [الجامع لمسائل المدونة:709/12].
ومعنى ذلك أن عليك رد العشرة آلاف دولار، التي قبضتها مؤخرا، وتصحيح المعاملة، فإن كنت تصرفت فيها، فهي دين في ذمتك، ترده لصاحبه بسعر يوم السداد، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
13/جمادى الأولى/1439هـ
29/يناير/2018م