بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3498)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا مقدم الطلب (ج)، أملك قطعة أرض مساحتها أربع هكتارات، أعيش فيها أنا وأولادي، وفي يوم 2012/10/13م حررت عقد تنازل رسمي عن جزء منها، مساحته 7000م2، لابني الأكبر (م)؛ لأنه أكثر من يساعدني في شؤوني، كفلاحة الأرض ونحو ذلك، وسلمته نسخة منه، فأخذها مني بدون أن يوقع، ولم يستلم الجزء الموهوب، ولم يقم بتسييجه أو البناء فيه أو غير ذلك، حتى توفي، تاركا وراءه زوجتين وابنين وثلاث بنات، وأريد الآن الرجوع عن التنازل، والتسوية والعدل بين أبنائي الأربعة، وبناتي العشرة، بتقسيم الأرض بينهم بالسوية، وغرس أولاد ابني المتوفى مكانه، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّه يجوز للوالد خاصة – لا لغيره – الرجوع في الهبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) [أبوداود:3539]، ويسمى رجوعه: اعتصارا، قال الدردير رحمه الله: “(وللأب) فقط لا الجد (اعتصارها)، أي الهبة” [الشرح الكبير:110/4]. ولكن لا يصح الاعتصار إذا مات الموهوب له قبل رجوع الأب في هبته، وينتقل الحق لورثة الموهوب له، إلا إذا كان الواهب قصد الموهوب بعينه لفضله أو علمه ونحو ذلك، ولم يقصد التعميم، ففي هذه الحالة فقط يجوز له ارجاعها واعتصارها؛ قال الدردير رحمه الله: “…الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فِي حَيَاتِهِ، وَلَمَّا مَاتَ عَلِمَ وَارِثُهُ، فَلَا تَبْطُلُ، وَيَأْخُذُهَا الْوَارِثُ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رَدٌّ حَتَّى مَاتَ، قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ”، وعلق الدسوقي رحمه الله على قَوْله: (فَلَا تَبْطُلُ، وَيَأْخُذُهَا الْوَارِثُ): “أَيْ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَارَةً تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةَ، وَتَارَةً تَقُومُ عَلَى قَصْدِ عَيْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَا كَلَامَ لِوَارِثِهِ، وَعِنْدَ الشَّكِّ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ، وَبِهَذَا قَرَّرَهُ الْمِسْنَاوِيُّ وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا” [الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي:104/4]، ولهم الحق في القيام والمطالبة عند عدم التعيين، وليس للواهب منعهم من ذلك؛ قال المواق رحمه الله: “ومن المدونة قال ابن القاسم: إنْ وهبتَ لحُرٍّ أو عبد، فلم يقبض ذلك حتى مات الموهوب له، فلوارثه الحر وسيد العبد قبضها، وليس لك أن تمنع من ذلك” [التاج:16/8].
وعليه؛ فإذا كان الواقع ما ذكر في السؤال، من أنك خصصت ابنك (م) بالعطية؛ لأنه يساعدك، فيجوز لك التراجع عن الهبة؛ لأنها بطلت بموته، وأما إذا كنت قصدت مع ذلك كونه صاحب عائلتين، ويحتاج إلى المساعدة لفقره وحاجته؛ فلا يجوز لك استرجاع ما وهبته لابنك المذكور بعد وفاته، ويحق لورثته قبضها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03/جمادى الآخرة/1439هـ
19/فبراير/2018م