ما حكم المشاركة في صندوق التكافل الاجتماعي؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3594)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم المشاركة في صندوق التكافل الاجتماعي، المخصص لموظفي ديوان وزارة المالية والمراقبات التابعة لها – المرفق عقده – والاستفادة من خدماته؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا حرج في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي والاشتراك فيه؛ لأنه من التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينا لهذا الصندوقِ طواعيةً، لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعين غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إن الأشعريينَ إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة؛ جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية، فهم منّي وأنا منهم) [البخاري:2486، مسلم:2500].
فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحد المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ مُضِرٌّ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبن، وقد نصّ علماؤُنا رحمهم الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر، وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات …
ومنهم من فصل – وهو مالك – بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو باب المماكسات والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال، وما يقصد به تحصيلها، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو ما لا يقصد لذلك …، وثانيهما ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال؛ كالصدقة والهبة والإبراء، فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على مَن أحسن إليه بها لا ضرر عليه ـ أي بفواتها؛ لأنه يبذل شيئًا نظير ما فاته ـ بخلاف القسم الأول، إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه” [الفروق:137/2].
وبعد الاطلاع على العقد تبيَّنَت عدّة أخطاء يجب تصحيحها؛ ليكون العقد صحيحا:
نصّ المادة (4): (تُحال القيمة المخصومة من العقوبات والجزاءات والغياب لحساب الصندوق) وهذا لا حقّ للوزارة فيه، وما يخصم مِن الموظفينَ بسببِ الغيابِ أو غيره كعقوبات فهو مِن المالِ العام؛ يجبُ ردّه للخزينة العامةِ المالكةِ له، ولا يجوزُ التصرفُ فيه، لَا للصندوقِ ولا لغيره، إلا بعد أخذ إذنٍ خاصٍ، وقدْ حذرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن التخوّض في مالِ الله بغيرِ حقّ، فقال: (إنّ رجالًا يتخوَّضونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقّ، فلهمُ النارُ يومَ القيامةِ) [البخاري:3118]، ويجوز دعم هذا الصندوق من قبل المؤسسة.
وأيضا ما جاء في النقطة الأولى من المادة (10) الخاصة بصرف الإعانات: (إعانة مالية قدرها 4000 د.ل في حالة وفاة المشترك أو وفاة زوجه أو أحد أبنائه)، فيه مخالفة بدفع المال لمن يموت له أحد قرابته، ليعينوه على شراء الذبائح وإطعام الطعام، وهو منهي عنه؛ لما جاء عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام مِن النياحة) [ابن ماجه:1612]، ولا تجوز الإعانة على المناهي، وترسيخ هذه العادة القبيحة، التي تحوِّل المآتم إلى ضيافة وولائم، ويمكن في حالة وفاة المشترك، إعطاء الإعانة لأسرة المتوفى، بعد نهاية العزاء؛ ليستفيدوا منها في غير المنهي عنه، أو تعطى هذه المكافأة للمشترك إذا أصابه مرض يحتاج معه إلى العلاج بالخارج، زيادة على ما قرره له الصندوق من المبلغ الضئيل في هذا الخصوص، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/رمضان/1439هـ
04/يونيو/2018م