المعاملة الحسنة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (17)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا فتاة أُحِبُّ الإحسان إلى عامة الناس، ومنهم أقاربي وأصدقائي، وأحافظ على طهارة قلبي، ولكن بعضهم يبادلون الإحسان والمعروف بالسُّوءِ والجُحُود، وقد ضِقْتُ ذرعاً بذلك، وتُراوِدُنى نفسي بين الفَيْنةِ والأُخرى بالانتقام والمعاملة بالمثل، فهل من مخرج لحالتي، أَفتوني بارك الله فيكم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان كما تقولين، فعليك بالصبر؛ فإنه مفتاح كل مغلق، فالاستقامة على هذا الدين العظيم، والالتزام به، والدعوة إليه، هو طريق الأنبياء والصالحين والدعاة والمصلحين… وما يجده المسلم من الأذى في هذا الطريق أمر معتاد، لقيه من سبق ممن سلك هذا الطريق، وهو ضريبة الالتزام، وخاصة في هذا العصر الذي ابتعد فيه الناس عن الدين، حتى أصبحوا لا يفرقون بين المعروف والمنكر، والذي ننصحك به إذا رأيت منكراً، أو أمراً لا يجوز من أقاربك أو أصدقائك؛ أن يكون نهيك عنه برفق ولين، دون تجريح أو تعنيف للفاعل أو القائل، كما قال الله تعالى: )ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( [النحل:125]. والذي ينبغي أن تقابلي إساءتهم بالإحسان، كما علمنا الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: )وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ( [فصلت:34]، وفي صحيح مسلم: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: (لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، فالله تعالى مع من يتحلى بهذه الأخلاق، فعليك بالاعتماد على الله تعالى والصلة به بكثرة الطاعات، فذلك مما يزيد ثقة الشخص بنفسه، ويقوي إرادته، ويشد من عزيمته، فينبغي أن تستعلي بإيمانك في تواضع، ولا تشغلي نفسك بالرد على كل ما يقال، ولتحمدي الله تعالى على ما أولاك به من نعمة الهداية التي حرم منها كثير من الناس اليوم، كما نذكرك بوصية لقمان لابنه: )يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ( [لقمان:17-18]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/صفر/1434هـ
2013/1/6