بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (841)
السيد / رئيس اللجنة الأهلية لوقف إبراهيم المحجوب.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …
تحية طيبة وبعد …
فتجدون إجابة مرفقة للرد على مراسلتكم ذات الرقم الإشاري (13.ل.ر.م 2012م) بشأن الإجابة عن الأسئلة التالية :
- هل يقسم للمغارس في أرض الوقف إن طلبها؟ وإن جازت القسمة، فهل تقسم الأرض والشجر، العامرة والدامرة، أم لا؟ وهل يملك المغارس الأرض بعد القسمة ملك رقبة، أم ملك انتفاع واغتلال؟
- ما حكم من ادعى ملك أرض موقوفة، وبعد قراءة حجته دعي لحكم الشرع، رفض ما في الحجة، وقال: سأتجه للقضاء؟
- ما حكم من ادعى أن أجداده قاسموا أرض وقف قبل مدة طويلة، ثم باع جزءاً من نصيبه بجزء آخر لبناء مسجد، مع أنه لم يأت بما يدل على هذه المقاسمة؟
الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المغارسة مع الوقف مما اختلف فيها أهل العلم، فمشهور مذهب مالك أنها لاتجوز؛ لأنها تؤول إلى بيع جزء من الوقف لاستصلاح الجزء الآخر، والأصل أن الوقف لايجوز بيعه وإن خرب، وفي رواية أخرى عن مالك؛ يجوز بيعه إن خرب، بشرط أن يعوض مثله ما يكون أنفع للوقف، وجرى العمل في المذهب بجواز المغارسة، قال التسولي في البهجة: “وبه أفتى الفقيه أبو زيد عبد الرحمن الفاسي، حسبما في نوازل الزياتي، قائلاً: وهو الذي رجحه القاضي أبو الوليد، ولعله يشير إلى تصحيح ابن رشد له في المقدمات على ما يقتضيه كلام الرهوني في حاشيته” [شرح البهجة على التحفة: 127/2]، وفي المعيار المعرب: وسئل بعض الشيوخ عن حكم من أعطى أرضاً محبسة على وجه المغارسة، فأجاب: “بأنها تمضي، ولا ينقضها من جاء بعده من الحكام … ” [ المعيار المعرب :436/7].
وإذا تم عقد المغارسة بين المغارس، وناظر الوقف، ووفّى المغارس بما تعاقد عليه من العمل المتفق عليه، فإنه يجاب لطلب المقاسمة، وتكون في الشجر والأرض، على ما ذكر في وثيقة المغارسة، قال ابن عبد البر: “لا يجوز أن يدفع الرجل أرضاً إلى رجل يغرسها شجراً، فما أظهر الله فيها من شجر مثمر بينهما نصفين، على أن رقبة الأرض لربها على ما كانت، هذا مما لا يجوز …، وأما الذي يجوز من ذلك؛ أن يعطيه أرضه على أن يغرسها شجراً معلوماً من الأصول الثابتة، كالنخل، والأعناب، وشجر التين، والزيتون، والرمان، وما أشبه ذلك من الأصول، فما أنبت الله فيها من الشجر، وتمَّ وأثمر، فذلك بينهما بأصله وقاعته من الأرض، على ما تشارطا عليه، إذا وصف النبات لشجر حدّاً معلوماً، ولو قالا: إذا أطعم الشجر، كان حدّاً” [الكافي لابن عبد البر: 267/2]، وتكون حصة المغارس ملكاً له ملك رقبة، ولا يدخل في القسمة إلا ما غرس ونبت زرعه، قياساً لها على الجعل.
وفيما يتعلق بالشق الآخر من السؤال؛ فالواجب الرجوع إلى ما في الوثيقة المذكورة، إن كانت صحيحة النسبة لصاحبها، وسلمت من الموانع الموجبة لردها، وصحة الوثيقة والدعوى من عدمها ينظر فيها القضاء، لكن إذا لم يكن للمدعي بينة، فلا تسمع دعواه، ثم إن قسمة الوقف، حتى لو ثبتت، فإنها تعدٍّ على الوقف، لا يعتد بها، ويبقى الوقف على حاله؛ لقول الله سبحانه وتعالى: )فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [ سورة البقرة: 181].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15/ربيع الأول/1434هـ
2013/1/27