بيان بمناسبة ذكرى ثورة 17 فبراير المجيدة

                                                            بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
       وبعد.
     فإن دار الإفتاء في الوقت الذي تهنئ فيه الشعب الليبي العظيم، والمواطنين الكرام في ذكرى ثورتهم المجيدة، لتدعو الله تبارك وتعالى أن يتقبل من مات من أبنائها في الشهداء الأبرار، ويشفي الجرحى والمصابين الأخيار، ويُخلف كل من فقد عزيزا بما يرفع لهم به الأقدار، وأن يجزي خير الجزاء كلَّ من وقف مع هذه الثورة المباركة في المحنة، وأعانها من الدول الجارة والصديقة في أيام الشدة، فإن الوفاء من شيم الكرام، وخُلق أهل الإسلام، وأسأله تعالى أن يبارك لبلادنا في الأحياء، ويجمع كلمتهم على الحق والهدى، حتى يروا من بركات ثورتهم وخيراتها، ما تقرٌ به أعينهم؛ ما يسر الصديق، وينصر الضعيف، ويعلي كلمة الله تعالى في الأرض.

    وتذكر دار الإفتاء المواطنين جميعا في هذه المناسبة العظيمة؛ شيبا وشبابا، صغارا وكبارا، أمهات وآباء، بمسؤولية كبيرة – وهم أهل لها – مسؤولية الحفاظ على مكاسب الثورة، ومن أولها وأجلها حفظ الدين والدم والمال والعرض، ولا يكون ذلك إلا باستقرار الأمن، وحفظ النظام، وتناشدهم أن يكونوا يدا واحدة، متعاونين متآزرين، أمن الوطن غايتهم، والحفاظ على وحدته والنهوض به بغيتهم، فلا يسمحوا للمتربصين بالثورة، أن يستغلوا المطالب المشروعة، أو يرفعوا راياتهم المشبوهة، ولتكن أهدافنا في الهتاف والتعبير، تمثل ثوار ثورة التكبير، الذين يُقبلون عند الفزع ويَقلون عند الطمع.
   وأن نتكلم بصوت واحد، وبلغة واحدة، لغة الأمة الواحدة، والوطن الواحد، لغة (ليبيا)، لا شرقية ولا غربية، ولا جنوبية ولا مناطقية، بل وحدة وطنية، وأن نحرص على هذه اللحمة، ونفخر بها، ونعتز بالإسلام الذي سمَّانا الله به، وهدانا إليه، فلا عزة لنا بغيره )هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا)، وبالإيمان الذي كتبه الله في قلوبنا) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين)، فمن كان أثبت فيه قدما، كان عند الله تعالى مقدٌما، التفضيل بين الناس في الإسلام، إنما هو بعملهم الصالح، وعطائهم للوطن، لا بأعراقهم وأنسابهم، ولا بقبائلهم وجهاتهم، أيا كانت الجهة، ومهما كانت القبيلةً.

)   إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) هذا هو الميزان القسط، والمعيار الحق، والحًكم العدل، ليس لنا ميزان عداه، ولا حكم بيننا سواه، حكم الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .(
   ولنعلم أن الدعوة إلى الجهوية أو الفدرالية – في وضع ليبيا الراهن– ، بداية الانقسام والإقليمية ، وأن الاعتزاز بالعرق والعصبية المذهبية، بداية الفرقة والطائفية.
   لو كان في الانتصار لعصبية أو اسم آخر غير الاسلام مزيٌة، لما توعد النبي صلى الله عليه وسلم الداعي إليه بمصارع الجاهلية (من قاتل تحت راية عمية، ينتصر لعصبية، ويغضب لعصبية، فمات، فميتة جاهلية( .
   لو كان في الانتصار للجهة أو القبيلة مكرمة، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة(
   لو كان في الفرقة خير، أيا كان اسمها؛ فدرالية أو طائفية، مذهبية أو عرقية، جهوية أو قبلية، لما نهانا الله تعالى عنها، وحذر منها : (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ،(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم( .
   فالتمسك بوحدة الوطن والدين هو العصمة، وهو القوة، وبه العزة والنصرة، والبلد خيرها كثير، وتعدادها شعبها يسير، وتسع الجميع، والكل قبل الثورة محروم، إلا من كان مُداهنا على الخط المرسوم ، فلا تستعجلوا قطف الثمار، فالخير بإذن الله قادم طبقا يعم سائر الأقطار، واذكروا حكاما ومحكومين، عهد الله على العالمين:

   ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور   .(
وصلى الله وسلم على رسول الله وآله، والحمد لله أولا وآخرا .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
الثلاثاء 1 ربيع الثاني 1434 هـ
12 فبراير 2013 م