طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

معرفة النسب بالحمض النووي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (916)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

          كان والدي من المهاجرين الليبيين إلى (تشاد) أيام الاحتلال الإيطالي، توفي والده وهو صغير السّنّ، وتزوجت والدته من رجل آخر، من قبيلة أُخرى، وعاش مع زوج أمه، وانضم إلى قبيلة زوج أمه دون علمه، وعندما عاد إلى ليبيا بعد أن كبر في السّنّ، أخبره بعض الأقارب أنه من قبيلة أخرى، وهذه القبيلة في نفس المنطقة التي كان يقطن بها والدي الآن في ليبيا، وعندما ذهب إليهم وأخبرهم بالأمر قالوا: إننا نعتقد أنك ابن أخينا الذي فُقِدَ في تشاد منذ فترة الاستعمار، ويقال: إنه تزوج في تشاد، وتوفي في السعودية، وهي نفس الرواية التي يذكرها والدي، حيث ذكر لنا أن أباه توفي في السعودية في نفس الفترة، حسب سماعه آنذاك، وهو صغير بعد وفاة أبيه، ولكنهم طلبوا منه أن يحضر أيَّ شخص من كبار السّنّ ليشهد بذلك، ولكن للأسف لم نجد من يحسم الأمر؛ لقدم هذه القصة، فالوالد يبلغ من العمر حاليا 73 سنة؛ لذا عرضنا عليهم إجراء الحمض النووي لإثبات صلة القرابة، حتى نقطع الشك باليقين، مع العلم أن الطرف الآخر لا يمانع في ذلك، بشرط وجود فتوى تجيز إثبات النسب عن طريق الحمض النووي؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

           أما بعد:

          فإذا كان الأمر كما ذكر في السؤال، من نسبة الولد إلى غير أبيه، فهو فعل محرم، ومنكر من القول، قال تعالى في شأن التبني: )ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ( [الأحزاب:5]، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم انتساب الولد إلى غير أبيه، فقال صلى الله عليه وسلم: (من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام) [البخاري:4326/مسلم:115]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه، فهو كفر) [البخاري:6768/مسلم:113]، وإذا كان للابن بينة لإثبات نسبه، كأن يشهد عدلان على ذلك، ثبت النسب، قال الدردير: “(وإن أقر عدلان) ابنان، أو أخوان، أو عمان (بثالث ثبت النسب) للمقر به” [الشرح الكبير:417/3]، وإن لم تكن هناك بينة، فإنه يستعان في تحديد نسب الولد بالقافة، والدليل على ذلك، ماجاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وهو مسرور، فقال: ( يا عائشة، ألم تري أن مجززاً المدلجي دخل عليّ، فرأى أسامة بن زيد وزيداً، وعليهما قطيفة، قد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) [البخاري: 6771/ مسلم: 1459]، وقد كان أسامة رضي الله عنه شديد السواد، وكان أبوه زيد أبيض، فلما قال مجزز المدلجي رضي الله عنه ـ وكان مشهوراً عند العرب بالقيافة، ومعرفة الشبه والأثر ـ ما قال، مع اختلاف لون أسامة عن أبيه، سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يقدحون في نسب أسامة، وسرور النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إقرار للحكم بالقيافة، ويمكن أن يستفاد في ثبوت النسب بكلّ الوسائل العلمية المتاحة، مثل التحاليل الطبية، ومن ذلك استعمال الحمض النووي، أو ما يعرف بـ ـ DNA ـ في مجال إثبات النسب، بشرط أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على الحمض النووي، وقد صدرت فتوى عن المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرّمة كما في القرار السابع، مؤكدة هذا المعنى، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                 مفتي عام ليبيا

8/ربيع الآخر/1434هـ

2013/2/18

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق