أسئلة في حكم بعض الأدعية، والمسح على الجورب، وتعريف البدعة، وهجر المسلمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (925)
ورد إلى دار الإفتاء الأسئلة التالية:
1- ما حكم الدعاء والتسبيح بين ركعات صلاة التراويح، هل هو جائز أم بدعة؟.
2- ما حكم الدعاء بعد دفن الميت بشكل جماعي عند القبر؟.
3- ما حكم قراءة القرآن على الأموات بما يسمى بـ(الختمة)، وهل يصل ثواب القراءة إلى الميت؟.
4- ما حكم المسح على الجورب، وهل يقاس على المسح على الخفين؟.
5- ما هو تعريف البدعة، وما هي أقسامها، وهل هناك بدعة حسنة؟.
6- هل هجر المسلمين – خاصةً العلماء – والتحذير منهم جائز، وهل هناك هجر مأذون به، وهجر غير مأذون به، وما ضابط ذلك؟.
7- هل المظهر الخارجي للمسلم أساس مهم في الدين، أم جوهر المسلم وما يحمله من تقوى وخشية لله وكثرة العمل الصالح أهم من ذلك، وما علاقة ذلك بحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم …)؟.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
1- فالدعاء الجماعي بعد دفن الميت، مثل الدعاء عقب الصلوات، ليس من سنن الصلاة، وفعله بصورة المواظبة عليه مكروه. وهذه الأشياء وإن كان أصلها خفيفاً؛ لأنها ذكر خارج الصلاة، لكن الالتزام بها، ومخاصمة تاركها، يدخلها في البدعة من باب الالتزام بما لم يلزم به الشرع، وإيجاب ما لم يوجبه، وهل البدعة إلا ذلك.
2- الذي يشرع في صلاة الجنازة، كما وردت بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ الدعاء للميت أثناء الصلاة، أما الدعاء قبلها أو بعدها جماعةً وجهراً فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخير كل الخير في اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، والقول فيه كالقول فيما تقدم عن التسبيح.
3- إن قراءة القرآن على الأموات مختلف فيها بين أهل العلم، وكثير من المتأخرين يقولون بوصولها، قياساً على ثواب الصدقة عن الميت، والصوم عنه، فمن أراد أن يقرأ القرآن، ويهدي الثواب؛ فليفعل ذلك بنفسه، أو مع أهله، أما أن يأتي بجماعة أو فرقة تجعل ذلك مهنة أو حرفة للتأ كل بالقرآن، فذلك منهي عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) [أحمد: 15529]، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة. وحديث: (اقرؤوا يس على موتاكم) محمول على القراءة عند الاحتضار، لكن إسناده ضعيف، ووردت آثار في القراءة وقت الدفن، لكن بشرط عدم المواظبة حتى لا تكون سنة ينكر على من تركها، وأن تكون القراءة سليمة، والقراءة الجماعية لا تسلم في الغالب من المخالفات.
4- إن المسح على الجوربين، فيه خلاف بين أهل العلم، المتقدمين والمتأخرين، وخلاصة الأقوال في هذه المسألة، أنه قال بالمسح على الجوربين جماعة من الصحابة، وجوزه الحنابلة، ولا يجوز عند المالكية والحنفية، وجوزه صاحبا أبي حنيفة محمد وأبويوسف، وعند الشافعية خلاف، منهم من يشترط أن يكونا مجلدين، ومنهم من يشترط أن يكونا منعلين، أي يلبس معهما نعل من أسفل، ليمسح عليهما وعلى النعل، ومنهم من جوزه مطلقا، إذا أمكن تتابع المشي فيهما، وقال ابن حزم: “المسح عليهما سنة”، وسبب الاختلاف بين العلماء في صحة المسح على الجوربين من عدمه اختلافهم في صحة الأحاديث الدالة عليه، وهل يقاس الجورب على الخف في المسح. وعليه؛ فالمسألة من مسائل الخلاف، ومسائل الخلاف لا يجوز الإنكار والتشدد فيها، ولا تعريض المسلمين بسببها إلى الانقسام، فمن مسح عليهما يصلى خلفه، ولا ينكر عليه، لا كما يفعل بعض الناس اليوم عندنا، ومن تركه واحتاط لنفسه في مسألة اجتهادية لا ينكر عليه، ولا يقال له تركت سنة، ومن ترك المسح على الجوربين، لا بنية التشدد والإعراض عن الرخصة، بل رغبة في الأفضل، وأخذًا بالأحوط؛ وخروجاً من الخلاف، وإيثاراً لما تكون عليه العبادة صحيحة بالإجماع، فقد أخذ في دينه بالحزم، وذلك محمود، فالخروج من الخلاف للأخذ بالأحوط يحبه العلماء، قال الليث بن سعد: “إذا جاء الاختلاف أخذنا بالأحوط” [جامع بيان العلم:2/81]، وقال العز بن عبد السلام: “الأولى التزام الأشد والأحوط للدين، فإن من عزّ عليه دينه تورع” [المعيار:6/382].
5- البدعة كما عرفها الشاطبي رحمه الله: “طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى” [الاعتصام: 26/1].
وتنقسم البدعة عدة أقسام، باعتبارات مختلفة: فتنقسم إلى مُكفِّرة، ومُفسِّقة، وحقيقيَّة، وإضافية، وفعلية، وتَركية، وبيِّنة، ومُشكِلة، وعقديَّة، وعباديَّة، وسُلوكيَّة. [الاعتصام: 126/1].
وليس هناك – على الراجح – شيءٌ اسمه بدعة حسنة بالمعنى الشرعي؛ لأنه لا يجتمع الإحداث في الدين – الذي نهى عنه الشرع – مع استحسان الأمر المحدث. قال الإمام مالك رحمه الله: “من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفُها، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خان الرسالة” [الاعتصام: 330/1].
6- الجرح والتعديل علم من علوم السنة، له قواعده وضوابطه، ولا يتكلم فيه كل أحد، ومن تكلم فيه، وهو غير مؤهل له، فهو متعد مغتاب لأهل العلم، متكلم في أعراضهم، فهو على خطر عظيم، وقد قال العلماء: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها المحدثون (أي المتكلمون في الجرح والتعديل) والحكام ـ أي القضاة المجرحون للشهود والمعدلون. وليس كل من أخطأ في مسألة أو تأويل يجرح ويشهر به ويدعى إلى هجره، فذلك هو ديدن أهل العصبية والمبتدعة، والذين حملوا إلينا العلم الشرعي من عصر التابعين، وأتباعهم، والأئمة الأربعة وتلاميذهم، ومن بعدهم في عصور الاجتهاد، ما من أحد منهم في الغالب إلا وعنده مسائل أخطأ فيها بعضها من الفروع، وبعضها في الأصول باجتهاد وتأويل، ولو كان كل من أخطأ على هذا النحو يحذر منه، ولا يؤخذ عنه العلم، لما وجدنا أحد يسلم لنا.
بل الذي عليه المحققون من أئمة الحديث وأهل العلم؛ أن صاحب البدعة يؤخذ عنه العلم، وتقبل منه الرواية إن احتيج إليه، إلا أن يكون داعية إلى بدعته، أو يخشى منه الغش على المتعلم، وفي رجال البخاري في صحيحه ـ الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله ـ سبعون راويا ممن رمي بالبدعة.
7- إن الإسلام مع الحفاظ على الباطن قد راعى المظهر الخارجي للمسلم أيما مراعاة، وأمر بالاعتناء والاهتمام به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الناس ريحاً، وأبهاهم منظراً، وأمر بتهذيب الشعر، بل رأى رجلا دخل المسجد ثائر الشعر، فأشار بيده الشريفة أن اخرج، وأمر بلبس الثياب البيض، وإعفاء اللحية، وقص الشارب، وهذا كله يؤكد اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتنى المسلمون عموماً بالمظهر الخارجي، ولكن ينبغي أن يكون ذلك من غير إسراف، حتى يصير همُّ المسلم الأعظم الأناقة والتزين، ولا شك كذلك أن مراعاة حال القلب بالطهارة والتزكية من آ كد الأمور الشرعية، فالله تعالى يقول: )إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [الحجرات: 13]. وأما معنى الحديث، فكما قال الإمام النووي رحمه الله: “أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى، وإنما تقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته”[شرح مسلم: 16/121]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11/ربيع الآخر/1434هـ
2013/2/21