(بيان دار الإفتاء بخصوص موجة الغلاء والشح في السيولة)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
ففي ظلِّ معاناةِ الناس اليوميةِ في مواجهة موجةِ الغلاء، وشُحِّ السيولة، وتعثرِ المرتبات؛ تناشدُ دارُ الإفتاءِ عامّة المواطنينَ والمسؤولين في ليبيا، وتدعوهُم إلى ما يلي:
التوبة إلى اللهِ تعالى مِن الذنوبِ والمعاصي الإجرامية؛ القتلِ والظلمِ والسطوِ المسلحِ، واختلاسِ المالِ العام.
التوبة مِن المعاصي الأخلاقية؛ التبرج والتحرش والزنا، والإغراء به، وعلى الأخص ما هو شائعٌ في الأسواقِ العامةِ، والمصحّات، والجامعات، ومعاهدِ العلم.
التوبة من المخدرات والخمور، وصناعتها وبيعها، فإنّه ما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبةٍ، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).
ومن التوبة التي يرفعُ الله بها البلاء؛ الصدقةُ، والإحسانُ إلى خلق الله، والمواساةُ بفضلِ المالِ، وأداءُ الزكاة المفروضةِ، واجتناب الفواحش، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لَم تَظْهرِ الْفَاحِشَةُ في قَومٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشا فِيهِمُ الطَّاعونُ وَالأَوجَاعُ، التي لَمْ تَكُن مَضَت في أَسْلاَفِهِمُ الَّذِين مَضَوْا، وَلَم يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذوا بِالسِّنِين وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ منَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا).
ودار الإفتاء تهيبُ بكلّ التجارِ الأوفياءِ، الذينَ كانَ لهم سبقٌ وقدمُ صدقٍ، وبذلُوا وأعطوا في الماضي مِن فضل أموالِهم، ناصرينَ للحقِّ وأهلِه؛ أنْ يزيدوا من البذل والعطاءِ، ولا يمَلّوا، وأن يواسُوا الوطنَ بأموالِهم، ومن المواساةِ المؤكدِ طلبُها في هذا الوقت؛ إيداعُ أموالِهم في المصارف؛ رفقًا بضعفاءِ الناسِ، الذين اشتدّت حاجتهم في الوصولِ إلى ضروراتِ حياتِهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن كانَ لهُ فضلُ زادٍ فليَعُد بهِ على مَن لا زادَ له).
والمواساةُ بفضلِ المالِ، وإيداعُه لدى المصارفِ في هذه الظروفِ، مِن المواساةِ الواجبةِ وجوبَ السُّنن، عند أهل العلم، وثوابُ الإيداع في هذا الوقت، مثلُ ثوابِ القرض، والقرضُ له ثوابُ نصفِ الصدقةِ، فمَن أودَعَ ألفًا فكأنّما تصدّقَ بنصفِها؛ كما جاءَ عن عبدِ الله بنِ مسعود رضي الله عنه.
وعلى وُلاةِ الأمرِ، ممّن له اتصالٌ مباشرٌ بهذا الشأنِ؛ كمُحافظ مصرفِ ليبيا، ومديرِي إداراته، ومُديري سائرِ المصارف، أو غيرُ مباشرٍ؛ كالمؤتمرِ الوطنيّ العامّ وحكومته، أن يبذُلوا قُصارَى جهدِهم، في رفعِ معاناةِ الناس؛ بتوفير السيولة، ومحاربةِ الغلاءِ، وعلى رجالِ الأعمالِ أنْ يعينُوهُم، ولا يحتكرُوا الأموالَ في بيوتِهم، أو يُخرجُوها خارجَ البلدِ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم توعّد المحتكرَ على الناس قوتَهم، بالجذام والإفلاس، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ)، ومثلُ مَن يحتكرُ على الناسِ قُوتَهم مَن يُعينُه بالتحكّم في مالِ الناسِ، الذي يوصلُ إلى القوتِ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلهِ وصحبه
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الخميس 15 جمادى الآخرة 1437 هـ
الموافق 24 مارس 2016م
{gallery}Bynat/2016/Expensive{/gallery}