طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

العمل في مصلحة الضرائب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (998)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

           هل يجوز العمل في مصلحة الضرائب في الوظائف المختلفة؟ وما حكم الضرائب المفروضة على الأفراد، ليبيين أو وافدين، مسلمين أو غير مسلمين، أو على الشركات الليبية وغير الليبية، العربية وغير العربية؟ وما هو البديل الشرعي لقوانين الضرائب المعمول بها في ليبيا؟

الجواب:

           الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

           فإن الإسلام احترم الملكية الخاصة للأفراد والشركات، وجعل كل إنسان أحق بماله، وحرم الأموال كما حرم الدماء والأعراض، وقد جاءت الآيات والأحاديث النبوية بذم المكوس (الضرائب)، والقائمين عليها، وتحريم أكل المال بالباطل، وجاء الوعيد على ذلك بالنار، قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( [النساء: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن صاحب المَكْس في النار) [أحمد: 17464]، وقال صلى الله عليه وسلم في المرأة التي زنت ثم تابت: (والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْس لغفر له) [مسلم:3208]، قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “صاحب المكس: هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنَّه غصب، وظلمٌ، وعَسفٌ على الناس، وإشاعةٌ للمنكر، وعملٌ به، ودوامٌ عليه، ومع ذلك كلِّه فإن تاب من ذلك، وردَّ المظالم إلى أربابها صحَّت توبته، وقبلت، لكنَّه بعيد أن يتخلص من ذلك؛ لكثرة الحقوق وانتشارها في النَّاس، وعدم تعيين المظلومين، وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات، والمواريث، والملاهي، والمرتَّبين في الطرق، إلى غير ذلك مِمَّا قد كثر في الوجود، وعمل عليه في سائر البلاد” [المفهم:99/5]، وذلك مثل ضريبة الدخل، فمهما يقول القائلون في تبريرها وتفسيرها، فليست إلا مصادرة جزء من المال، يُؤخذ من أربابه قسرًا وكرهًا، إلا إذا وجدت حاجة معتبرة شرعاً وفق الشروط التالية:

1-                     أن تكون حاجة الدولة للضريبة حاجة حقيقية وضرورية، لا وهمية أو ظنية، بحيث لا تكون هناك موارد أخرى تستطيع الدولة بها أن تسير أعمالها.

2-                   أن يكون فرض الضريبة استثنائيًّا، دعت إليه المصلحة العامة للدولة، وتدبيرًا مؤقتًا حسبما تدعو إليه الضرورة، وأن يوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة، على أن ينتهي هذا الأمر بزوال العلة الداعية وانتهاء الحاجة؛ إذ أن تصرف الحاكم في فرض الضريبة منوط بالمصلحة؛ فالقاعدة الفقهية تقول: “التصرف على الرعية منوط بالمصلحة”.

3-                        أن يكون التصرف في جباية المال وإنفاقه على الوجه المشروع، بأن يكون فرض الضريبة لإنفاق المال في مصالح الأمة، لا على المعاصي والشهوات والأهواء من قِبَل السلطة الحاكمة، ولا على ترفيه أنفسهم وأسرهم، ولا لترضية السائرين في ركابهم.

4-                            أن تُؤخذ من فضل المال، أو ما يزيد عن حاجة المكلفين الأساسية، فمن كان عنده من المكلفين فضل عن إشباع حاجاته الأساسية أُخذت الضريبة من هذا الفضل، ومن كان لا فضل عنده بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية؛ فلا يؤخذ منه شيء.

 وأما إذا كانت الضرائب خدمية، تؤخذ نظير خدمة تقدم للناس، كالضرائب التي تؤخذ على الجمارك، وخدمات الموانئ، والمرور في الطرقات ونحو ذلك، فلا حرج فيها، لكن بشرط أن تقوم الدولة من جانبها بتقديم الخدمة المطلوبة التي تضمنتها لوائحها، فلو كانت الضريبة مثلا على المرور، فيجب على الدولة أن تقوم بالخدمات التي نَظَّمَها قانونُ المرور بما يوفر السلامة في السير على الطرقات، لا أن تجبي الدولة الضرائب، ولا تؤدي ما عليها من خدمات.

 ومما سبق يتبين حكم العمل في مصلحة الضرائب كل بحسب وظيفته، فمن كان مباشراً لشئ من الضرائب المحرمة فلا يجوز له ذلك؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان, ومن كان عمله مرتبطا بالضرائب الخدمية فلا حرج عليه، وعلى الجميع الحذر من ظلم الناس وأكل مالهم بالباطل في الرشاوى، أو المبالغة في تقدير الضرائب، أو ما يسمى الربط الضريبي، فإن الشكوى منه كبيرة، والحساب عليه عسير، قال تعالى: “وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ” [البقرة:281]، أما عن الشركات الأجنبية الوافدة، فللدولة أن تفرض عليها مالاً نظير السماح لها بالعمل في أراضيها؛ لأنها ستستفيد من كثير من الخدمات التي توفرها الدولة، وقد نص الفقهاء على جواز الأخذ من تجار أهل الذمة والحربيين إذا قدموا بالتجارة إلى أرض المسلمين، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                               مفتي عام ليبيا

25/ربيع الآخر/1434هـ

2013/3/7

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق