طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبة

الهبة على الشيوع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3359)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

نحن عائلة مكونة من أب وأم وأربع بنات، وأنا الابن الوحيد وأصغرهم سنًّا، مواليد (1959م)، يملك والدي بيت الأسرة، وعمارة من أربعة طوابق، وقطعة أرض مساحتها (1100م2) ميراث الجدود، جميعها بحوزته، وتحت تصرفه، وفي سنة 1977م اشترى والدي قطعة أرض سكنية بزاوية الدهماني، مساحتها (535م2)، وسجلها باسمه، وبنى عليها في نفس العام مبنى مكونًا من ثلاثة أدوار؛ الأرضي لاستقبال الضيوف، والثاني شقة سكنها الولد، والثالث شقة سكنتُها منذ ذلك التاريخ، وأنا حينها طالب في أولى جامعة، وأخواتي الأربع متزوجات.

وفي سنة 1985م قام والدي بتحرير عقد هبة عرفي، صادر عن اللجنة الشعبية للمحلة، تنازل فيه لصالحي عن نصف عقار زاوية الدهماني، على الشيوع بيني وبينه، ثم وبإيعاز من أبي تقدمت للجنة الشعبية للمحلة، طالبا تمكيني من تحرير ملكيتي لنصيبي في هذا العقار، ولأن طلبي كان في صورة شكوى بين مدعي ومدعى عليه، اجتمعت اللجنة، وتم تحرير محضر صلح، مبني على تأييد والدي لتحريره لعقد الهبة وما ورد به، موافقا على إجراء التسجيل، ونقل الملكية لنصيبي. وعليه صدر قرار اللجنة، باعتبار محضر الصلح بمثابة العقد النهائي الناقل للملكية، بعد عرضه على المحكمة؛ لإعطائه قوة السند التنفيذي، فأيدت محكمة طرابلس الابتدائية محضر الصلح، ومنحته قوة السند التنفيذي، وتم إكمال إجراءات تحقيق الملكية بين الطرفين على الشيوع، وصدرت بذلك شهادة عقارية.

وفي سنة 1995م تزوجتُ، وأنجبت ثلاثة أطفال في هذا العقار، علما بأني مقيم فيه مع والدي منذ بنائه سنة 1977م، ثم باع والدي العقار، وقد أثبت في عقد البيع أن البائع أنا وأبي، ثم اشترينا ببعض المال عقارا في منطقة رأس حسن، وبقي باقي المبلغ في حساب أبي إلى أن توفي، فاقتسمناه بعد وفاته حسب الفريضة الشرعية.

فما مدى صحة ملكية الابن نصف عقار زاوية الدهماني على الشيوع، من الناحية الشرعية؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الهبةَ لبعضِ الورثةِ دونَ البعضِ، إذا كانَ الغرضُ منها حرمان بعضِ الورثة والإضرارَ بهم، فإنها لا تجوز؛ لمخالفتها قصدَ الشارع من قسمة الميراث بالعدلِ، قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء:11]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم) [البخاري:2587،مسلم:1623]؛ ولكن إذا لم يكن الغرضُ من الهبة هو الإضرار، وإنما مراعاة لحال الموهوب له، أو بره وإحسانه؛ فلا حرج فيها، وهي داخلة في العدل والإحسان الذي أمر الله تعالى به.

والهبة على الشيوع جائزة، بشرط الحيازة؛ قال التسولي رحمه الله: “… ونحوه لابن ناجي أول كتاب الهبة من المدونة قائلًا: “المشهور صحة هبة المشاع مع بقاء يد الواهب تجول فيه مع الموهوب له” اهـ. “لكن الكبير لا بد أن يتصرف مع الواهب” [البهجة:2/375]، وفي المعيار المعرب: “وسئل أحمد بن عبد الله اللؤلؤي عن رجل وهَبَ نصفَ دارِهِ، وهو ساكنٌ فيها، فدخلَ الموهوبُ له فساكنَه فيها، وصارَ حائزًا بالسكنَى والارتفاق بمنافعِ الدار، والواهب معه على حسب ما يفعله الشريكان في السكنى؟ فأجاب: ذلك حوزٌ تامّ، والهبةُ نافذةٌ له، وكذلك كلّ مَن وهبَ جزءًا مِن مالٍ أو دارٍ، وتولى احتيازَ ذلك مع واهبِهِ، وشاركهُ في الاغتلالِ والارتفاقِ، فهو قبضٌ وحوزٌ” [9/196].

وعليه؛ فحيازتك لإحدى الشقتين، وتصرفك مع أبيك فيما بقي مِن العقار، كافٍ في صحةِ الهبة ونفوذِها، وفي ثبوتِ ملكك لنصفِ العقار.

ونظرًا لأنَّ أخواتِك لم يصلهنَّ شيء من ملكِ والدك، إلّا ما بقي في حسابه مِن ثمن العقارِ، الذي استبدلتم به عقارًا آخر، وخصّكَ أنت دونَهم بالهبة، وهذا مِن والدكَ مخالفٌ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقُوا الله، واعدلُوا في أولادِكم) [البخاري:2587،مسلم:1623]، فعليكَ أنْ تُراعيَ أخواتِك، وترزقَهم شيئًا ممّا تركَه والدُكَ وخصَّكَ به؛ إحسانًا منكَ إليهنَّ، وتعويضًا عن حرمانِهنّ، وبرًّا بوالدِك، حتى لا يكون عملُه في التفرقةِ بينكم مدعاةً للعقوقِ وقطيعةِ الرحمِ، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

                                                                          

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

05/ذو الحجة/1438هـ

27/أغسطس/2017م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق