طلب فتوى
الفتاوىالمواريث والوصايا

الوصية ماضية في ثلث التركة لغير وارث

تصرف الوصي في أكثر من ثلث التركة يضمنه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4683)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

رجل توفي، وترك مبلغًا ماليا قدره 127600 دينار، أوصى بثلثه صدقة جارية على والديه ونفسه وإخوته، وثلثه الآخر صدقة على الفقراء، أما الثلث الأخير فللأقارب، علما أنه لا وارث له إلا أخته الشقيقة، والذكور من أبناء إخوته، وأنه عهد لابن عمه بتنفيذ ذلك، فقام الوصي بإعطاء نصف المال لبناء مسجد وتجهيز ماءٍ للسبيل، ولأبناء أخ الموصِي، والفقراء والمساكين، ومن احتاج من أقارب الموصي، فما حكم الشرع في هذا؟ علما أن الموصي لا يملك شيئا غير هذا المال، إلا قطعة أرض مساحتها خمسون مترًا تقريبًا، لم تحدد قيمتها.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الله تعالى جعل للمسلم الحق في الوصية بثلث ماله؛ ففي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ، عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) [ابن ماجه: 2709]، ولا يجوز له الوصية بأكثر من الثلث؛ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد أراد أن يوصي بماله كله: (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) [البخاري: 2742]، ويُردّ ما زاد على الثلثِ إلّا إذا أجازه الورثة؛ فعن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن رجلًا أعتَقَ ستة مملوكينَ له عند موته، لم يكن له مالٌ غيرهم، فدعا بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثًا، ثم أَقْرَعَ بَيْنَهُم، فأعتقَ اثنين، وأرَقّ أربعةً، وقال له قولًا شديدًا) [مسلم: 1668]، والوصية بما زاد على الثلث مِن الإضرار، وقد نهى الله تعالى عنِ الإضرار في الوصية؛ فقال تعالى: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) [النساء: 12]، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (غَيْرَ مُضَآرٍّ) … أَيْ يُوصِي بِهَا غَيْرَ مُضَارٍّ، أَيْ غَيْرَ مُدْخِلٍ الضَّرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ … فَالْإِضْرَارُ رَاجِعٌ إِلَى الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ، أَمَّا رُجُوعُهُ إِلَى الْوَصِيَّةِ فَبِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ يُوصِيَ لِوَارِثٍ” [تفسير القرطبي: 5/80].

ومن أوصى بأشياء معينة تفوق قيمتها ثلث تركته، فإن أهل الوصايا يتحاصون في الثلث بمبلغ وصاياهم، إذا لم يُجز الورثة الزائد على الثلث، ولا يجوز للوصي أن يتصرفَ فيما زاد على ثلث التركة دون إذن الورثة، كما لا يجوز له التصرف قبل أن يعلم حصة كلٍّ مِن الوصايا مِن كامل الثلث، ويضمن الوصي ما نقصه في ما ينوب كل صاحب وصية، قبل أن يعلم حصة كلٍّ مِن المحاصة، فقد نقل الونشريسي رحمه الله جوابًا لابن رشد رحمه الله عن كيفية تنفيد الوصية بمتعدد زائد عن الثلث، عندما لا يجيز الورثة الزائد، فقال: “مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَن لا يُنَفَّذَ مِمَّا عَهِدَ بِهِ الْمُتَوَفَّى إِلَّا مَا حَمَلَهُ ثُلُثُهُ، فَيُقَوَّمُ جَمِيعُ مَا تَخَلَّفَهُ الْمُتَوَفَّى يَوْمَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، وَيُعْرَفُ مَبْلَغُ الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ، فَيُبْدَأُ فِيهِ بِعِتْقِ الْمَمْلُوكَةِ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا، فَمَا فَضَلَ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِ الْمَمْلُوكَةِ تَحَاصَّ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلُ الْوَصَايَا بِمَبْلَغِ وَصَايَاهُمْ … وَيَضْمَنُ الَّذِي عَجَّلَ فَنَفَّذَ الطَّعَامَ وَالزَّيْتَ وَالثِّيَابَ وَالْكَتَّانَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ مَا يَجِبُ لِذَلِكَ فِي الْمُحَاصَّةِ مَا زَادَ عَلَى مَا يَنُوبُهُمْ فِي الْمُحَاصَّةِ” [المعيار: 9/408-409].

ولا يدخل الورثة في الأقارب؛ لعدم صحة الوصية لوارث، ولا أقارب أمه، قال الدردير رحمه الله: “(بِخِلَافِ) إيصَائِهِ لِذَوِي رَحِمِ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ (أَقَارِبِهِ هُوَ) فَلَا يَدْخُلُ وَارِثُهُ فِي لَفْظٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، كَمَا لَا يَدْخُلُ أَقَارِبُ أُمِّهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ لِأَبٍ بَلْ تَخْتَصُّ بِهِمْ حَيْثُ كَانُوا غَيْرَ وَرَثَةٍ” [الشرح الكبير: 4/432].

عليه؛ فينظر لقيمة جميع أملاك الموصِي يوم تنفيذ الوصية، سواء ما ذكر في الوصية وما لم يذكر، فينفذ من المال المذكور في الوصية ثلث قيمة التركة كاملة، ويقسم الثلث بالتساوي بين الأصناف الثلاثة الموصَى لها، وأما المال الذي تصرف فيه الوصي؛ فإن تبين أنه أكثرُ من ثلث التركة، فمن حق الورثة مطالبته بالزائد عن الثلث؛ لأنه يضمنه بتعديه، كما أنه يضمن ما نقص عن حصة كل وصية من المحاصة، إن لم يقسم بين الأصناف بالتساوي، كما مرّ، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

18//ربيع الأول//1443هـ

25//10//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق