بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4621)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يوجد بقرية العصامنة بتاجوراء مسجد قديمٌ بكاملِ مرفقاته، من بيت الصلاة وكتاب التحفيظ ومكان الوضوء، بُني دونَ قواعد ولا أعمدة، وسقفه من الياجورِ القديم، وقد تجاوز عمر المسجدِ سبعين سنةً، وظهرت عليه تشققاتٌ وتصدعات، ويخشى عليه السقوطُ، وقد أجمع أهل القرية على إعادةِ بنائه، فتبرع رجلٌ بقطعة أرضٍ مساحتها 700م2، بجوار المسجد القديم، يفصلها عنه منزلٌ مملوكٌ لشخصٍ لا يريد المناقلةَ، فاتفق القومُ على ترك المسجدِ القديمِ وبناءِ جديدٍ قريبٍ منه، بكامل مرافقه، بما في ذلك بيتٌ صغيرٌ للإمامِ، ومدرسة لتحفيظِ القرآن، وبيتٌ كبيرٌ للصلاة، فهل يهدمُ المسجد القديم كي لا يُهجر، ولا يسقطَ على أحدٍ؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالواجبُ اتباعُ شرطِ الواقفِ في الأرضِ المحبسة، فلا يجوزُ مخالفته؛ لأنّ شرطَ الواقف كنصِّ الشارع، إلّا إذا خالفَ الشرع، قال المواق رحمه الله: “(وَاتُّبَعَ شَرْطُهُ إِن جَازَ)، قال ابن الحاجب: مَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ اتُّبِعَ، كَتَخْصِيصِ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَصْحَابِ مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ” [التاج والإكليل: 7/649]، فلا يُتصرّف في أرض الوقف بأيّ نوع من أنواعِ التصرفاتِ التي تُذهب عينها؛ أو تغيرها عما جعله الواقف؛ لما في ذلك من التعدّي على الحبُس والتّبديل لغرض المحبِّس، والله تعالى يقول: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة: 181].
وعليه؛ فإذا كان المسجد القديم مؤديًا للغرض، ويتسع لأهل القرية بوضعه القائم، أو بتجديدِه وتوسعتِهِ، إن كان يضيقُ على المصلين، ولو بإعادةِ بنائه أكثر مِن طابق، فالواجبُ الاكتفاء به، وعدم هجره، ولا يترك ويبنى مسجد بدله، ويمكن استغلال الأرض الجديدة لبناء بيت للإمام، وباقي المرافق الأخرى.
وأما بناء مسجد في الأرض الأخرى القريبة من المسجد القديم، فلا يجوز؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تعطيلِ المسجد القديم، أو تفريقِ الجماعة، ولأن المسجد القديم كافٍ لصلاةِ الجماعة، مع وجودِ مساجدَ قريبةٍ في المنطقة، تُقام فيها الجمعة، قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله: ” قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ إِلَى جَنْبِ مَسْجِدٍ، وَيَجِبُ هَدْمُهُ، وَالْمَنْعُ مِنْ بِنَائِهِ؛ لِئَلَّا يَنصِرَفَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، فَيَبْقَى شَاغِراً” [تفسير القرطبي: 8/254].
ويمكن لواقف الأرض الجديدة القريبة – إن كان حيًّا – أن يجعلها وقفاً على تعمير المساجد القائمة، وعلى إنشاءِ معاهد العلم؛ لتخريج العلماءِ والدعاة، وعلى الإنفاقِ في سبيل الله، وفي مشاريعِ البر والخيرِ والدعوة، وذلك بإقامةِ مشروعٍ استثماريٍّ على هذه الأرض، يُصرف ريعه فيما ذُكر، فهذا أعظم أجرًا إن شاءَ اللهُ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَن دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا) [مسلم: 2674]، وقد تغافلَ الناسُ عن هذه الوجوه، واستكثروا من بناءِ المساجدِ مع التهاون في تحبيس الأوقاف عليها التي يتم بها تعميرها على الوجه الأكمل، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24//محرم//1443هـ
01//09//2021م