طلب فتوى
الإجارةالبيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

تأجير عقارات الوقف بالباطن

مالك الانتفاع لا يؤجِّر ولا يهب ولا يعير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

رقم الفتوى (4533)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

رجل بينه وبين الأوقاف عقد إجارة عقار (صيدلية)، ثم قام بتأجير هذا العقار إجارة بالباطن لشخصٍ آخر، ويستقطع لنفسه الفائض، ويحيل قيمة الإجارة الأصلية للأوقاف، استمر هذا العقد عشر سنوات، ثم بسبب ظروف الحرب، وعدم انتظام الأمور الإدارية في الهيئة، لم يجدد المستأجر الأصلي العقد إلا بعد خمس سنوات، وتفاجأ بوجود ديون متراكمة  على الرغم من انتظامه في تسديد قيمة الإيجار، ولم تعلمه الهيئة سابقًا أن قيمة الأجرة قد زادت، فاتفقوا معه على أن يسدد هذه الديون بأقساطٍ، وتولى المستأجر بالباطن (الثاني) بتوكيلٍ من المستأجر الأصلي (الأول) تسديد الديون للأوقاف من أرباح الصيدلية، وبعد ذلك زادت الأوقاف قيمة الأجرة مرةً أخرى؛ للوصول إلى أجرة المثل، مما أُثّر على انتظام المستأجر بالباطن في تسديد الأقساط، فأدّى ذلك إلى تراكم الديون وزيادتها، وفي نهاية العام الماضي توفي المستأجر الأول، وأراد الورثة تغيير العقد باسم زوجته، ولا يتم هذا إلا بتسديد الديون كاملةً، فعرضوا على المستأجر الثاني أن يسددوا عنه للأوقاف، ثم يرجعوا عليه بالتقسيط، فرفض باعتبار أن جزءًا من الدَّين يجب أن يتحمله المستأجر الأصلي، وأيضًا يفضل أن يبقى للمرونة المتحصل عليها بسبب تقديمه عريضة لإدارة الوقف لتخفيض قيمة الأجرة، وبناء على هذا، فهل العقد بين المستأجر الأول والمستأجر الثاني صحيح؟ وإذا كان صحيحًا فمن المسؤول عن دفع الدين المتراكم؟ وما الحقوق التي تلحق المستأجر الأول المتوفى؟ وكيف تبرأ ذمة كلا المتعاقدين إذا كان العقد غير صحيح؟ وكيف يتم تصحيح العقد بعد تسديد الديون؟

الجواب:

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ من ملك حقّ الانتفاع بشيء لنفسه فقط دون غيره، سواء كان ملكه له بعوض أو بغير عوض؛ فلا يحلّ له أن يعطي هذا الحقّ لغيره، قال الزرقاني رحمه الله في تعريف مالك الانتفاع: “وهو من ملك أن ينتفع بنفسه فقط، ولا يؤجِّر ولا يهب ولا يعير” [شرح الزرقاني على المختصر:6/227]، وقال التّسولي رحمه الله: (وبالجملة فالانتفاع هو الذي قصد به المعطِي [بالكسر] خصوص من قام به الوصف أو خصوص ذاتِ المعطَى [بالفتح]) [البهجة شرح التحفة:2/518-519].

عليه؛ فلا يحلّ تأجير الصيدلية المذكورة بالباطن، إلَّا بإذِن وزارة الأوقاف، واطّلاعها على قدر الأجرة الباطنة؛ لأنّ التّأجير من الباطن – سواء بزيادة على الأجرة الأصليّة أم لا – يعدُّ من الخلوّ الممنوع، وإن تعارف عليه النّاس؛ لأنّه من الإعانة على أكل أموال الوقفِ بالباطل، والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]، ويقول تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة:188]، وبذلك يصبح العقد الأول باطلًا، ويجب فسخه، وأما ما حصل من مال الإيجار الزائد عن الأجرة الأصلية، من يوم العقد إلى تاريخ وفاة المستأجر الأول، وقُسم واستُوفيت منفعته، فلا شك أنه مالٌ حرامٌ، يُتصدقُ بمقداره للمصالح العامة من مال التركةِ قبل القسمةِ، إن كان للمتوفى مال، وما حصل بعد وفاته فهو يلزم ورثته، فيعطى للمصالح العامة؛ فإن العقد ينتقل لورثة المستأجر الأول، إلّا أن تفسخ الجهة المانحة العقد، أو تعطي المنفعة لغيرهم، عملا بالإذن العرفي في ذلك، قال الدردير، في معرض كلامه عن إقطاع السلطان الأرض للفلاحين: “… يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَو نَائِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ وَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ يُؤَدِّي إلَى الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ نَوْعَ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَيْضًا الْعَادَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حُكْمِ السَّلَاطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ: بِأَنَّ كُلَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَصْلَحَةِ، نَعَمْ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَالْأَمْرُ لِلْمُلْتَزِمِ” [الشرح الكبير على مختصر خليل: 2/189]،وإذا رغب الورثة في الاستمرار في العقد فعليهم أن يسددوا الديون التي على مورثهم ولا عبرة بالعقد مع المستأجر الثاني بالباطن لأنه عقد خلو بدون إذن الجهة المالكة للعقار، فيكون باطلا، وفي حالة عدم رغبتهم في الاستمرار في العقد مع هيئة الأوقاف فعليهم قبل قسمة التركة أن يسددوا ديون مورثهم، المطلوبة من قبل الأوقاف، لأن الميت محبوس في دينه، والله أعلم.

وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

02//ذو القعدة//1442هـ

13//06//2021م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق