طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالهبة

شرط صحة الهبة حيازتها في حياة الواهب

العمرى تمضي بالحيازة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4862)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

كتب والدنا قبل وفاته رسالة، وهب فيها لأولاده شيئًا من أملاكه، وتفصيلُها كالتالي:

1-وهب عقارًا سكنيًّا مكونًا مِن ثلاثة طوابق لابنهِ ع، وقد حازه في حياة الوالد.

2-وهب عقارًا سكنيا مكونًا من ثلاثة طوابق لابنه ف، وقد حازه في حياة الوالد.

3-وهب عقارًا سكنيا مكونًا من ثلاثة طوابق في غ لأبنائه الثلاثة؛ ع ، ف ، هـ، على أن يكون لكل واحد منهم ثلث العقار، غير أنه لم يحز أحدٌ نصيبه فيه حتى الآن.

4-وهب لكلٍّ من بناته الثلاث؛ ف، م، د  أرضًا مساحتها 500م2؛ لإقامة مسكن عليها عند الحاجة بأرض “ض”، ولم تحز واحدةٌ منهنَّ شيئًا.

5-خصَّصَ الجزء العلوي مِنْ مبنًى كان قد شيَّده في منطقة “ق” لسكن ابنته ف، إلى أن تتمكن من بناء سكن بديل بمساعدة العائلة، ولا تزال إلى يومنا هذا مُقِيمة فيه.

6-قال إنه يؤكد على منح ابنتيه هـ ، ف الحقَّ في بناء مسكنٍ في الموقع المناسب من مزرعتهِ، التي تقع في حي ك “س ج”، أو أرضه التي يملكها في “ض”، والتي كان اشتراها من ص، واشترط مباشرتهما في عملية البناء، وعدم بيعها أو بيع جزء منها للغير، ولم تقم واحدة منهما بالبناءِ حتى الآن.

7-عدَّدَ أملاكه الأخرى، ولم ينص عليها بهبةٍ ولا وصيةٍ.

8-ثم قال في آخر الرسالة: “وفي الختام؛ اخترتُ مساحة لتشييدِ مسجدٍ ومدرسةٍ قرآنية مع المرافق عليها، وسأحاول إنْ طال العمرُ وتوفرتِ السيولةُ والمواردُ أن يتم ذلك في حضوري، والله المستعان”، ولا نعلم المساحةَ ولا الأرضَ التي اختارها لذلك.

نرجو منكم بيان ما يتعلق بهذه الوصية من أحكام.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنَّ من شرطِ تمام الهبة الحيازة، وذلك بأن يتصرف الموهوبُ له في الهبة تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ في حياة الواهب، كي تتحقق الحيازة الشرعيةُ التي ينتقل بها الْمِلك، فإن لم تتم الحيازة حتى حصلَ للواهب مانعٌ، مِن فلسٍ أو موتٍ أو مرضٍ مخوف متصلٍ بالموت؛ فقد بطلتِ الهبة، وصارت ميراثًا يقتسمه جميع الورثة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلَّا بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهْيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة: 117]، وفي الموطأ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسَقاً مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْراً بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسَقاً، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ) [الموطأ: 2202]، والحيازة في كل شيء بحسبه، فحيازة العقار الموهوب تكون بتخليةِ الواهبِ له، وإفراغه من متاعه وشواغله، وتصرُّفِ الموهوب له فيه تصرفًا يدلُّ على التملّكِ، كأن يسكنَ الدارَ أو يُكرِيَها، أو يحرثَ الأرضَ، أو يبنيَ عليها.

وعليه؛ فإنَّ ما تـمّتْ حيازته من الهبات المذكورة في حياة الوالد؛ ملكٌ للموهوب لهم، والهبة فيه صحيحةٌ، كما في العقارين المذكورين في رقم (1 و 2)، وأمّا تخصيصُ الجزء العلوي من المبنى المذكور في رقم (5) لسكنِ أختكم، حتى تتمكنَ من بناء سكنٍ بديلٍ؛ فهو مِن العُمْرَى، التي هي إعطاءُ منفعةِ عقارٍ أو غيره بدونِ عوضٍ إلى أجلٍ، وحكمها الندب، ويشترط فيها ما يشترطُ في الهبةِ؛ مِن حصول الحوزِ قبل وفاة الـمُعْمِر، وإلا بطلتْ، وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالعمرى أنّها لمن وُهِبَتْ له [البخاري: 2482]، فيجوز لأختكم أن تبقَى في هذا المسكنِ، حتى تتحصل على سكنٍ بديل، فيلزمها الخروجُ إليه حينئذٍ، ويبقى المبنى ميراثًا، وأما ما لم تتم حيازته من الهبات المذكورة في حياة والدكم؛ فإن الهبة فيه باطلة، وهو ميراثٌ، يرجعُ الحقُّ فيه مع أموالِ والدكم وأملاكه الأخرى إلى جميع الورثة، كما في العقارات المذكورة في رقم (3 و 4 و 6)، وما ذكره والدكم في رسالته مِن اختياره مساحةً لتشييد مسجدٍ ومدرسة قرآنية مع المرافق الخاصة بهما؛ هو مجرد رغبة منه في ذلك لا تدلّ على أنه أنشأ؛ لأن من شرط صحة الوقف أن يكون معلوما، وهو لم يعينه، ولا يكون ما رغب فيه والدكم من قبيل الوصية؛ لأنه ليس من الألفاظ الدالة عليها، فلا يلزم الورثة تنفيذ رغبة والدهم، غير أنه يندب لهم تلبيةُ رغبته، وقيامُهم بما عزم عليه في حياته ما وسعَهم ذلك، من باب البر لا من باب أنه واجب عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) [مسلم: 14]، وهذا الأجر الوارد في الحديث حاصل ببناء المسجد والمدرسة القرآنية إذا رغب الورثة في ذلك بإذنِ الله، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

حسن بن سالم الشريف

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

07//ذي القعدة//1443هـ

07//06//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق