طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبة

شرط صحة الهبة حيازتها في حياة الواهب

الوصية تمضي في الثلث لغير وارث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4866)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

تنازل (م) لزوجته (ع)، عن قطعة أرض والمنزل المقام عليها، ونصف بئر مشترك مع (ج)، وقطعة أرض أخرى تشتهر بالمريقب، وزيتونتين في أرض أخيه تعرفان بزيتونتي غ، وأذن لها في التصرف في ذلك كله، علما أن المنزل المذكور هو منزل سكنى المتنازِل، وظل ساكنا فيه حتى وفاته، وأنه استمر في استعمال البئر الاستعمال المعتاد حتى وفاته، وأن المتنازَل لها أذنت لابن أخيها برعي الأغنام في هذه الأرض المقام عليها المنزل، فقام بالرعي بعد التنازل وقبل وفاة المتنازِل، وأعطت جني ثمار الأرض الأخرى المشتهرة بالمريقب لامرأة اسمها س، وباعت 20 لترا من زيت الزيتون المذكور بعد التنازل وحال حياة المتنازِل، كما تنازل (م) لـ(د) عن قطعة أرض، مكانها بمحلة سيدي اعمير بتراب العدول، مساحتها 800 مترٍ مربعٍ، وأذن له في التصرف فيها، فأذن المتنازَل له لأخيه بحرثها ورعي الأغنام فيها، فقام بالحرث والرعي بعد التنازل وقبل وفاة المتنازِل، فما الحكم الشرعي في هذه التنازلات؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالتنازلات المذكورة تعتبر من قبيل الهبة، ومن شرط تمام الهبة أن يحوزها الموهوب له في حياة الواهب، ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيروانيّ رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ”[الرسالة:117]، والحيازة كما قال أبو الحسن المنوفي رحمه الله: “هيَ وَضْعُ اليَدِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ المحَوُزِ كتَصَرُّفِ الماَلِكِ في ملكِهِ بالبِنَاءِ والغَرْسِ والْهَدْمِ وَغَيْرِهِ مِن وُجُوهِ التَّصَرُّفِ” [كفاية الطالب الرباني:2/482].

وهبة الزوج دار سكناه لزوجته لا تصح، ما دام ساكنًا في الدار الموهوبة؛ لأن الحيازة لا تتأتى حينئذ، ولو سكنت معه؛ لأن سكناها تبع له، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا، لاَ الْعَكْسُ) وَهْوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لاَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ” [الشرح الكبير:4/106]، وكذلك البئر الحوز فيه لم يتم لجوال يد الواهب فيه باستعماله، أما هبة الأرض فهي صحيحة تامة لحصول الحوز فيها وهو قيام الموهوب لها بالرعي فيها.

ولما كان التنازل عن المنزل ضمن التنازل عن الأرض المقام عليها والبئر في وثيقة واحدة، فالحكم أن يُنظر إلى قيمة المنزل والبئر-اللذان لم تتم حيازتهما-  يوم الهبة، فإن كانت تساوي ثلث العطية كلها فأقل، فالهبة فيهما وفي باقي الأرض صحيحة؛ لأن الأكثر وهو الأرض قد تم الحوز فيه، والقاعدة أن الأقل يتبع الأكثر، وإن كانت قيمة بيت السكنى والبئر بالنسبة للأرض كلها أكثر من الثلث، فالبيت والبئر ميراث؛ لأنه لم تتم حيازتهما، وباقي الهبة في الأرض صحيحة، قال ابن عبد الرفيع رحمه الله في مسألة من يُحبس دورا متفرقة في عقد واحد ومسكنه منها: “وَإِن كَانَ الْحُبُسُ عَلَى مَنْ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ نَفَذَ لَهُم مَا حَازُوهُ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَما لَمْ يَحُوزُوهُ فَإِن كَانَ يَسِيرًا الثُّلُثَ فَدُونَ صَحَّ لَهُمْ، وَإِن كَانَ كَثِيرًا بَطَلَ وَحْدَهُ” [معين الحكام:2/735].

عليه؛ فإن هبة الأرض والمنزل المقام عليها والبئر، متوقفة على معرفة قيمة المنزل حسب التفصيل المذكور سابقًا، وأما هبة أرض المريقب فماضية صحيحة؛ لتصرف الموهوب لها فيها كتصرف المالك، بجني ثمارها والتصرف فيها، والتنازلُ لـ(د) تنازلٌ صحيحٌ؛ لتصرفه في الأرض تصرف المالك بالإذن في الحرث والرعي، وحصول ذلك من المأذون له قبل موت المتنازِل، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

12//ذي القعدة//1443هـ

12//06//2022م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق