طلب فتوى
الشركةالفتاوىالمعاملات

شركة فاسدة

اختلال شرط من شروط شركة العروض يفسدها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4688)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

يملك والد (س) قطعة أرضٍ، مساحتها 500م، على طريق رئيسي، بها بيتٌ قديمٌ، ولجيرانه أرضٌ خلفهُ ملاصقةٌ لأرضهِ، مساحتها 1300م، وعليها منزلان قديمان، عَرضَ الجيران على (س) أن يشتريَ الأرض فوافَقَ، لكن لأنه لا يملك ثمنها، بحثَ عن شخصٍ يشتريها؛ ليضمّا قطعتي الأرض إلى بعضهما، فتصيرَا قطعةً واحدةً، ويرتفعَ ثمنها، فاتفق مع (ص) على شراء الأرضِ وضمّها إلى قطعةِ والده، وجعلِهِما قطعةً واحدةً تباعُ كاملةً، واتفق مع والده أيضًا على هذا.

قام (ص) بدفعِ كاملِ ثمنِ القطعةِ الخلفيةِ (مليون ومائتا ألف دينار)، وسجلها باسمه، وثمّنا قطعةَ والد (س) بثلاثة ملايين دينار، واتفقوا أن يُدفع لوالد (س) إذا تمّ بيع الأرض ثمنُ أرضه فقط (ثلاثة ملايين)، ويقتسم (س) و(ص) الربح بينهما مناصفةً، بعد خصم ثمن الأرض التي اشتراها (ص)، وتكفّل (ص) بتسوية الأرض، وهدمِ ما عليها مِن منازل، وبناء سور على قطعة الأرض بالكاملِ، بتكلفةٍ مقدارها خمسون ألف دينار، وقام الطرفان (س) و(ص) بعرض قطعة الأرض للبيعِ، على أن تباع بربحٍ عالٍ، ولكن لم يتمّ ذلك، وقد كان من ضمن اتفاقهما في البداية أن يصبرَا معًا، ولا يفضّا الشركة، لكن لما طالَ الأمرُ، وحدثَ ركودٌ في السوق، أخبرَ (ص) صاحبه (س) بأنه لا يستطيعُ الصبر أكثر من ذلك، وأنه يرغب في فضّ الشراكة، فعرض عليه (س) أن يدفع له رأسَ ماله عن طريق شريكٍ آخر، لكن (ص) رفضَ.

يقولُ (ص): إن (س) وافقَ على فض الشراكة، و(س) يقول: إنه أخبر (ص) أنه غير راضٍ، لكن لم يكن بيده فعل أيّ شيء؛ لأن الأرض الخلفية مسجلةٌ باسِم (ص).

بعد أن باع (ص) قطعة الأرض، وربح فيها قرابةَ أربعمائة ألف دينار، طالبهُ (س) بنصيبه من هذا الربح، واعترض (ص) بأنّ الشراكة قد فضّت بالفعل، ولا حظّ لـ(س) في شيء من الربح، فما الحكم في هذه المسألة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الشركة بقطعتي أرض من الجانبين، هي من قبيل الشركة بالعروض، ويشترط لصحتها عند المالكية؛ أن يكون الربح موزّعا بين الشريكين بنسبة ماليهما، ويُقوّم العرضان يوم العقد، لمعرفة ما ينوب كلَّ شريك من الربح، فإذا وقعت الشركة على شرط التفاوت في الربح أو الخسارة مع التساوي في المال فسدتْ؛ لأنها من أكل المال بالباطل، قال علّيش رحمه الله: “(وَتَفْسُدُ) الشَّرِكَةُ (بِشَرْطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ (التَّفَاوُتِ) أَيْ قِسْمَةِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرِ بِغَيْرِ قَدْرِ الْمَالَيْنِ فِي عَقْدِهَا كَكَوْنِ مِائَةٍ لِأَحَدِهِمَا وَخَمْسِينَ لِلْآخَرِ وَشَرَطَا قَسْمَ الرِّبْحِ بِالنِّصْفِ” [منح الجليل: 6/269]، وغيرُ المالكية -ممّن يجوزُ عندهم وقوع التفاوت في الربح- يمنعون انعقاد الشركة بالعُروض، فلا يصحّ تخريج العقد على قولهم بجواز التفاوت؛ لأن ذلك يؤدّي إلى تلفيق صورةٍ لا يقول مذهبٌ بجوازها؛ قال ابن الهمام: “وَكَمَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا بِالْعَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا عَرْضًا وَالْآخَرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ” [فتح القدير: 6/168]، قال ابن قدامة رحمه الله: “فأمّا العروضُ، فَلا تَجوزُ الشَركةُ فِيهَا، فِي ظَاهِرِ المَذهَبِ. نَصّ عَليهِ أَحمد، فِي رِوايَةِ أَبِي طَالِب وَحَرب، وَحَكاهُ عَنهُ ابنُ المُنذِر” [المغني: 5/13].

وأيضًا فاشتراط إعطاء أحد الشريكين رأس ماله فقط، دون أن يكون له نصيب من الربح؛ يُفسد العقد، قال ابن الهمام: “بِخِلَافِ مَا لَوْ شُرِطَ كُلُّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ” [فتح القدير:6/178]، وقال ابن قدامة: “فَإِذَا شُرِطَ اخْتِصَاصُ أَحدِهِمَا بِالّربحِ، فَقدْ شَرطَ مَا يُنافِي مُقتَضَى العَقدِ، فَفَسدَ، كَما لَوْ شَرطَ الرّبحَ كُلّهُ فِي شركَةِ العِنانِ لِأَحَدِهِمَا” [المغني: 5/26].

وإذا فسدت شركة العروض لاختلال شرطٍ من شروطها، وباع الشريكان عروضهما، اختص كلُّ واحد منهما بثمن عرضه؛ لبقائه على ملكه، قال الدردير رحمه الله: “فَإِنْ فَسَدَتْ [أي الشركة] كَمَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى تَفَاضُلِ الرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ فَلَا تَقْوِيمَ، وَرَأْسُ مَالِ كُلٍّ مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ فِي الْفَاسِدَةِ لَمْ يَزَلْ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ وَفِي ضَمَانِهِ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ” [الشرح الكبير: 3/350].

عليه؛ فالشركة المذكورة في السؤال شركةٌ فاسدةٌ، ويختصّ (ص) بثمن أرضه التي باعها؛ لأن أرضه لم تزل على ملكه، فإذا ربح فيها فالربح له، ويستحق (س) أجرةَ مثله على ما قام به من عمل؛ لأنه -حتى لو كانت الشركة صحيحة- ليس شريكًا، فهو سمسارٌ حاول الربط بين الأطرافِ في شركة فاسدة، فله أجرةُ السمسرة، ويلزم والد (س) دفع ما أنفقه عليه (ص) مما ينوبه من الهدم وبناء الأسوار؛ لأن من عمل لغيره عملا وهو ساكت راضٍ لا يقوم به في العادة بنفسه تلزمه هذه النفقة، قال القرافي رحمه الله: «قَاعِدَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا شَأْنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ عَمِلَ ‌لِغَيْرِهِ ‌عَمَلًا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبِأُجْرَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ نَقَلَهَا صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِر فِي الْإِجَارة تَنْزِيلًا لِلِسَانِ الْحَالِ مَنْزِلَةَ لِسَانِ الْمَقَالِ” [الذخيرة: 9/93] والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن حسين قدوع

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

20//ربيع الأول//1443هـ

27//10//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق