طلب فتوى
الفتاوىالمواريث والوصايا

قسمة ووصية لوارث ولغير وارث

وصية في وثيقة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4695)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في نسخة وثيقة ما نصه: (أشهدنا المكرم م من أهل س متى خطر عليه السفر إلى بيت الله الحرام لأجل تأدية فريضة الحج في سنة ألف وتسعمائة وأربعة وستون حضر لدينا وأشهدنا عن نفسه طائعا مختارا برضاه وطيب نفس وجواز أمره أن جميع مخلفاته من أرض وشجر على اختلافه ودور بحاضرة الساحل وباديتها فهي أنصافا في ما بين ابن ابنه ح وابنه ع ثم الإشهاد والتاريخ)، وقد سلم الحاج م هذه الوثيقة لابنه ع وابن ابنه ح قبل ذهابه إلى الحج؛ لكونه كان خائفا من الموت، حسبما أخبر ابن الابن ح، ثم رجع من الحج، ولم يسترد المكتوب الذي أعطاه، وبعد مدة قام بنفسه فقسم أحد الأراضي بين ع و ح المذكورين حين تنازعا في موضع كل منهما من الأرض وبنى كل منهما في ما حدده له الحاج م المذكور وانتفع به، ولم يحوزوا بقية الأراضي أو يتصرفوا فيها بشيء حال حياته، وإنما اقتسموا الأملاك بعد وفاته مناصفة سنة 1974م، فهل للبنات حقٌّ في التركة، علما أنهن لم يتكلمنَ عن حقهنَّ إلّا في سنة 2011م، وذلك بسبب الحياء، والعادة المستمرة بعدم مطالبة الإناث بشيء من الميراث، فما الحكم؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن ثبت ما ذكر في الوثيقة، فهي تدل على الوصية؛ لكونها نصتْ على تعلقها بمخلفات الحاج م ومحل ذلك بعد وفاته، وبدليل ما أخبر به أحد الموصَى لهم، وهو ح، مِن أن الحامل له على ذلك خوف الموت أثناء السفر إلى الحج، وحكم الوصية إذا كتبها الموصي وأشهد عليها ثم سافر وقدم ولم يستردها، أنها ماضيةٌ ولا تبطلُ، قال خليل رحمه الله: “وإيصاء بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ انْتَفَيَا، قَالَ إنْ مِتّ فِيهِمَا وَإِنْ بِكِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَهُمَا وَلَوْ أَطْلَقَهَا لَا إنْ لم يسترده”، قال الخرشي رحمه الله: “فَإِنَّ الْمُطْلَقَةَ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ كِتَابٍ، أَوْ بِكِتَابٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ أَخْرَجَهُ، وَلَمْ يَرُدَّهُ، فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَا إنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ لِلْكِتَابِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَبْطُلُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ، وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بقَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ” [شرح الخرشي: 8/173]، والوصية إذا كانت لوارث وهو ابن الموصي ع، وغيرِ وارث وهو ابن ابنه ح، صحت من الثلث لغير الوارث وبطلت للوارث، فابن الابن يأخذ نصف الثلث، والنصف الآخر الذي هو مناب الابن يكون ميراثا إلا إذا أجازه الورثة للابن، فيكون ابتداء عطية منهم، قال البرادعي رحمه الله: “ومَن ‌أَوْصَى ‌لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِي، تَحَاصَّا، وَعَادَ حَظُّ الْوَارِثِ مَوْرُوثاً إِلّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ” [تهذيب المدونة: 4/274].

أما ما قام به الحاج م من قسمة إحدى الأراضي حال حياتهِ، وحددَ موضعًا لكل من ع و ح للبناء فيه والتصرفِ، فما حدده وحازوهُ حال حياته وصحته، فهو هبةٌ صحيحةٌ تامةٌ بشرطها وهو الحوزُ، ولا تدخلُ في الميراث، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلَّا بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهْيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة: 117]، وباقي الأراضي خارج ما حدده الحاج م لابنه وابن ابنه، فهو تركة لجميع الورثة بعد إخراج القدر الموصى به وهو نصف الثلث لابن الابن ح.

وسكوت الأخواتِ عن حقهنّ في هذه التركة من الأراضي وغيرها حياءً مِن أخيهنّ، وخوفًا مِن ألسنة الناس، لا يعدُّ رضًا وقبولًا بالوصية المذكورةِ، ولا يعدّ إجازة لما فعله الموصَى لهم بقسمة الأملاك بينهم بعد وفاة الموصِي، ولهنّ الآن القيام والمطالبة بحقهن الشرعي -بعد إعطاء نصفِ ثلثِ المتروك لابن الابن ح -حسب الفريضة الشرعية، قال التسولي رحمه الله: “السُّكُوت لَيْسَ بِإِذن وَلَا رضًا إِلَّا فِيمَا عُلم بمستقر الْعَادة أَن أحدًا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضَاهُ” [البهجة: 2/118]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

24//ربيع الأول//1443هـ

31//10//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق