طلب فتوى
الأذكار والأدعيةالعقيدةالفتاوى

ما صحة قول البعض: إنَّ الحوائج لا تُقضَى إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

هل ثبت في قضاء الحوائج أسبابٌ أخرى غيرُ الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4776)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما صحة قول البعض: إنَّ الحوائج لا تُقضَى إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل ثبت في قضاء الحوائج أسبابٌ أخرى غيرُ الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنَّ لقضاء الحوائج أسبابًا عديدةً ثابتة، أساسُها مع السَّعْيِ والجدِّ وَتَرْكِ البَطَالَةِ والأخذِ بالأسباب؛ التوكلُّ على الله سبحانه وتعالى وتقواه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فإنَّ ما عند الله سبحانه وتعالى لا يُنال بغير طاعته، قال سبحانه وتعالى:﴿وَمَنْ يَّتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ ‌وَمَن ‌يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهْوَ حَسۡبُهُۥٓۚ﴾، وقال: ﴿وَمَنْ يَّتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا﴾ [الطلاق: 4].

ومن أهمِّ أسباب قضاء الحوائج؛ كثرةُ الصلاة والسلام على النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عَنْ أُبَـيِّ ابنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أنه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ [أَيْ: دُعائي]، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَا شِئْتَ)، قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا [أي: أستبدلُ بكلِّ ما أدعو به لنفسي الصلاةَ عليك]، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (إِذاً تُكْفَى همَّكَ، ويُغْفرُ لَكَ ذَنْبُكَ) [الترمذي: 2457]، وفي رواية: (يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ) [أحمد: 21242].

ومنها أيضا الدعاء، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا ‌سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ﴾ [البقرة: 186]، وقال: ﴿‌وَقَالَ ‌رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِي أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ﴾ [غافر: 60]، ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قولُه: (إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ) [الترمذي: 3548]، وقولُه: (لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ) [الترمذي: 2139]، ويزدادُ الدعاءُ قوةً بتحصيل أسباب إجابته، بتحرِّي أوقاتها؛ في الثلث الآخِرِ من الليل، وعند النداء بالصلاة، وَدُبُرَ الصلوات المكتوبات قبل السلام منها، وبافتتاحه بالحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، واختتامه بذلك، وباللهج بالأدعية المأثورة، مع استحضار القلب والصدق والإلحاح، وتقديم المعذرة والتوبة، وحُسْنِ الظن بالله سبحانه وتعالى، وعدم الاستعجال، فكلما توفرت هذه الأسباب في الدعاء؛ كان أقربَ إلى الإجابة.

ومنها الاستغفار، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى حكايةً عن نوح عليه السلام أنَّه سببٌ لتحصيل المال والولد وسعة الرزق ووفرة الخير، قال سبحانه: ﴿‌فَقُلۡتُ ‌ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا﴾ [نوح: 12]، ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ أَكثَرَ الِاسْتِغْفَارَ؛ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [أبو داود: 1517].

ومنها قضاءُ حوائج الناس وبذلُ المعروف إليهم حسب الاستطاعة، بالمال والجاه والعلم والرأي والنصيحة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ؛ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً؛ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [البخاري: 2310].

وبهذا يُعْلَمُ أنه لا يصحُّ ما يتناقله بعضُ العامة، من حصرِ قضاء الحوائج بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانتْ من أهمِّ أسبابها، ويحسُنُ بالمرء أن يجمعَ بين هذه الأسباب، ويطرُقَ لحاجته جميعَ الأبواب، فيُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الدعاء والاستغفار، ومِنْ فِعل الطاعات حتى يقضيَ الله حاجته، فذلك أدْعى للقَبولِ، وأحرى بالإجابة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

حسن سالم الشريف

عبد العالي امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

23//جمادى الآخرة//1443هـ

26//01//2022م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق