طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

هل يبطل الوقف إذا حصل مانع قبل الحوز؟

الرجوع في الوقف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4815)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

كنتُ قد أوقفتُ أرضًا مساحتها 1000م2، ثم تراكمت عليّ الديون بسبب الحرب الأخيرة عام 2019م، وليس لديَّ أيُّ دخلٍ مالي، لذا أرغب في الرجوع عن هذا الوقف، لسدادِ ديوني، وبناء مسكن لابني وتزويجه، وتخصيص مبلغ لحفرِ بعض الآبار، والمساهمة في بناءِ مسجدٍ، علمًا بأنّ الأرض لم تخرجْ عن حوزي حتى الآنَ، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنه يلزم من أوقف عقارًا أو دابةً أو شيئًا من ماله؛ أن يُخرجه عن حوزه، ويسلمه إلى مستحقه بمجردِ تلفظه بالوقف، ويحرم عليه أن يتصرف في الوقف بالبيع أو الهبةِ، أو يغير فيه، أو يرجعَ عنه، ما لم يحصل له مانعٌ قبل الحوز، من فلسٍ أو موتٍ أو مرضٍ مخوفٍ متصلٍ بالموت، فإن الوقفَ يبطل حينئذ، ويحلّ لمالكه التصرف فيه بالبيع وغيره، قال الدردير رحمه الله: “(وَبَطَلَ) الْوَقْفُ (بِمَانِعٍ)، أَيْ: بِحُصُولِ مَانِعٍ لِلْوَاقِفِ (قَبْلَ حَوْزِهِ)، أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَحُزْهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ … حَتَّى حَصَلَ لِلْوَاقِفِ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ مُتَّصِلٍ بِمَوْتِهِ؛ بَطَلَ الْوَقْفُ” [أقرب المسالك: 4/107]، وقد فسَّر الفلس بقوله: “وَالْمُرَادُ بِالْفَلَسِ مَا يَشْمَلُ الْإِحَاطَةَ بِمَالِ الْوَاقِفِ، لِقَوْلِهِ فِي الْهِبَةِ: (وَبَطَلَتْ إِنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) وَالْوَقْفُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ” [الشرح الكبير: 4/81]، وهذا الذي مشى عليه الدردير من بطلان الوقف إذا كان سابقا على إحاطة الدين؛ هو قول مُطرِّفٍ وابن الماجشون، وقد خالف في ذلك أصبغ، أما تقدم إحاطة الدَّيْنِ على الوقف فإنها تبطله بالاتفاق، نقل المواق رحمه الله عن ابن عرفة رحمه الله قوله: “إِحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ تُبْطِلُهَا اتِّفَاقاً، وَفِي كَوْنِ إِحَاطَتِهِ بَعْدَهَا قَبْلَ حَوْزِهَا كَذَلِكَ قَوْلَانِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ: إِذَا ادَّانَ الْمُعْطِي مَا أَحَاطَ بِمَالِهِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ… خِلَافاً لِأَصْبَغَ” [التاج والإكليل لمختصر خليل: 8/14].

وعليه؛ وبعد الاتصال بالسائل، والاستفسار عن قدْرِ الدَّيْن، وعما يملك من مال، من عقار أو غيره، وقد أخبر أنه لا يملك غيرَ مسكنه الذي لا يُجاوز حاجته، وليس له مالٌ غيره يقضي به دَيْنَه، ولم يحصل الحوزُ للأرض الموقوفة؛ فقد بطل بذلك الوقف لحصول المانع قبل الحوز، عملاً بما مشى عليه الدردير من قولِ مُطرِّفٍ وابنِ الماجشون، وجاز له بذلك أن يتصرف في أرضه بالبيع وغيره، فله أن يقضيَ بأرضه ما عليه من الدَّين، ويستعملها فيما يشاء، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدايم بن سليم الشوماني

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

26//شعبان//1443هـ

29//03//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق