طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

وصية بوقف عقار على الفقراء والمساكين

حكم تغيير الوصية بالوقف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4054)

 

            ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

توفيت امرأة، وأوصت بوقف عقار على الفقراء والمساكين، هل تنفذ الوصية في كامل العقار، أم في حدود الثلث من التركة؟ علما أنها تمتلك غير هذا العقار حصة ميراثها من زوجها، وهل يحتسب ما لا يعلم الورثة بمكانه، ويمكن الوصول إليه بالسؤال والتحري، وما لا يمكن الوصول إليه، وتم أخذه بالقانون رقم: (4) حال حياة الموصي؟ وكيف تتم القسمة؟ وهل يجوز بناء مسجد لها عوضًا عن العقار الْمُوصَى بِهِ، أم لا؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإنّ العبرة في تقدير الثلث الذي تخرج منه الوصية، تكونُ بالمال الذي علِمه الموصي في حياته قبل موته، لا ما طرأَ له بعد الموت، وبما سلم للموصي من ماله بعد موته، بحيث يمكن الحصول عليه وقسمته، ولو تباعدت أماكنه، أما ما جهل مكانه ولم يعرف، أو ما أخذ منه بالقانون رقم (4) على وجه الغصب، فلا يدخل في تقدير الثلث، قال المنوفي رحمه الله ناقلا عن ابن عبدالسلام رحمه الله: “فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ يَوْمَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لَا يَوْمَ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ يَسَعُهَا الثُّلُثُ يَوْمَ الْمَوْتِ فَطَرَأَ عَلَى الْمَالِ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَهُ فَصَارَ لَا يَسَعُهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ كَانَ حُكْمُهَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ حُكْمَ مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ” [كفاية الطالب الرباني: 2/227]، و قال النفراوي رحمه الله: “وَالْوَصَايَا خَارِجَةٌ مِنْ الثُّلُثِ، ظَاهِرُهُ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ مَالِ الْمُوصِي الْمَعْلُومِ لَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَجْهُولِ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا تَخْرُجُ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَوْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ، وَسوَاءٌ وَقَعَتْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ” [الفواكه الدواني: 2/133]، وقد اختلف المالكية فيما اشتهر بين الناس هلاكه وتلفه، وعلم بذلك الموصي قبل موته، ثم ظهرت سلامته بعد الموت، فقيل: لا يدخل في تقدير الوصايا؛ ليأسه منه وانقطاع رجائه فيه، قال ابن رشد رحمه الله فيما إذا التبس الأمر على الموصي ببعض أملاكه، هل يسلم له، أم لا يسلم: “مَا كَانَ أَصْلُهُ قَدْ عَلِمَهُ، فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ، وَإِن غَابَ عَنْهُ فَطَالَ زَمَانُهُ وَبَلَغَهُ هَلَاكَهُ حَتَّى كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْيَأْسُ مِنْهُ؛ مِنْ أَجْلِ مَا بَقِيَ لَهُ فِيهِ مِنَ الرَّجَاءِ، حَتَّى إِذَا تَحَقَّقَ عِندَهُ هَلَاكَهُ بِالشَّهَادَةِ أَوِ الِاسْتِفَاضَةِ، حَتَّى تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ رَجَاءٌ، فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا إِن جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِن كَانَتِ الْمُدَّةُ لَمْ تَطُلْ. وَلاَ فَرْقَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ الْمَالِ الْغَائِبِ، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالسَّفِينَةِ الْغَائِبَةِ” [البيان والتحصيل: 13/6].

عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فإن الوصية المذكورة تصح، وتنفذ في حدود ثلث قيمة تركة المتوفاة يوم تنفيذ الوصية، على أن يحتسب الثلث من التركة المعلومة للمتوفاة حين حياتها، لا ما طرأ بعد ذلك، مما لا يمكن الوصول إليه بسبب غصبه من قبل الحاكم؛ كما في القانون رقم (4)؛ لأنه مما أيس منه صاحبه وانقطع طمعه فيه، وأما ما يمكن الوصول إليه فيدخل في حساب الثلث من التركة، ويتحرى بالبحث عنه، لذلك؛ فإن تبين أن العقار المذكور أكثرُ من ثلث التركة بتقويم العدل الخبير، وأراد الورثة قسمة العقار وأخذ نصيبهم منه، فيباع العقار، ويشترى بثلث التركة المأخوذة من قيمته عقارٌ آخر؛ محافظة على استمرار تنفيذ الوصية في الوجه الذي أراده الموصي، قال الدردير رحمه الله: “وَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُهَا [أي: القسمة] فَفِيهِ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ وَعَلَى الصِّحَّةِ يُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ أَرَادَ شَرِيكُهُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِ وَقْفِهِ” [الشرح الكبير: 4/76].

وأما بناء مسجد للموصية عوضًا عن الموصى به فلا يجوز؛ لما فيه من تغيير الوصية الموقوفة على المساكين، وهو الأمر الذي أراده الموصي؛ وقد شاع بين الفقهاء قولهم في كتبهم: (نص الواقف كنص الشارع) احتراما لإرادته؛ لأن الحق له في صرف مالِه في القربات حيث شاء، ومَن تعدّى وبدّل مصرف الوقف لغاية في نفسه فهو آثمٌ، يحمل وزر التبديل، قال الله جل وعلا: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة: 181]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

04// ربيع الآخر// 1441 هجرية

01// 12// 2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق