بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1059)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
دار نقاش بين مجموعة طالبات حول خروج المسيح الدجال، فأنكرت إحداهن خروجه، وقالت: ليس فيه آية قرآنية، وكذلك أنكرت بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه، وذكرت أن الاعتقاد حرية شخصية، لا دخل لأحد فيها، فما هو الحكم في إنكار هذه الطالبة لما ذكر؟.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ المسيح الدجال قد ورد ذكره في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، التي نقلها العدول من الرواة بطرق متعددة، بلغت في مجموعها حد التواتر، كما قرر ذلك غير واحد من أهل العلم. [نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 227/1]. ومِن ثَمّ فإنّ إنكار خروجه لا يحلُّ شرعاً، ومنكره فاسقٌ بإجماع أهل العلم المعتبرين، والواجب تلقي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بالقَبول والتصديق، فمتى صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده، قال الله تعالى: )وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(ْ[سورة الحشر: 7]، وقال عز وجل: )فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا([النساء:65]. والحكم كذلك فيما ثبت من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه العظيمة، فما صح منها وجب الإيمان به وقَبوله؛ ولا يجوز إنكارهُ بحجة أنه يخالف العقل، كما هو رأيُ بعض الفرق المنحرفة الضالة، وليس معنى قول الله تعالى: )لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ([البقرة: 25]؛ أن يعتقد المسلم ما شاء بعد اعتناقه الإسلام، وإنما الآية في الكافر قبل دخوله الإسلام إذا لم يكن محاربا للإسلام، فلا يكره على اعتناق الإسلام، وليس معنى الآية أيضا أن يعبر عن رأيه بما شاء، مخالفا بذلك اعتقاد المسلمين، أو رادًّا سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة برأيه؛ فإن ذلك من الزيغ والضلال المبين، قال الله تعالى: )فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ([سورة النور: 63]، وقال تعالى: )إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَّقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ([سورة النور: 51]، وقال تعالى: )وَمَنْ يُّشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا([سورة النساء: 151]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14/جمادى الأولى/1434هـ
2013/3/26