بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2984)
السيد المحترم/ مدير مكتب أوقاف مسلاتة، المكلف.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم بخصوص وقف (شهيبة الزرقة)، الذي استولى عليه أتباع الطريقة التيجانية قبل عقدين من الزمن، وحولوه إلى زاوية تيجانية للذكر، وقد كان قبل ذلك مصلى أوقات، ومكانًا لتحفيظ القرآن الكريم، وله ريع من أشجار زيتون وأراض زراعية، موقوفة عليه منذ عشرات السنين، وطلبكم:
أولا: تبيين منهج هذه الطريقة، ومدى موافقتها للطريقة النبوية، ومدى تأثيرها على أهل المنطقة؛ سلبا وإيجابا.
وثانيا: ما الواجب على مكتب أوقاف مسلاتة بخصوص هذا الوقف، الذي حول من مسجد إلى زاوية للذكر؟
وثالثا: ما هو حكم الاتفاق المرفق، الذي تم بين هيئة الأوقاف في النظام السابق وبين الطريقة التيجانية، بإعادة بناء الوقف بعد انهدامه، إلى بيت للصلاة، وخلوة لتحفيظ القرآن، وزاوية خاصة بالطريقة التيجانية؟
والجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا يجوز تغيير الحبس عما حبس عليه، فشرط الواقف كنص الشارع، ما لم يخالف الشرع، قال المواق رحمه الله: “(واتبع شرطه إن جاز)، قال ابن الحاجب: مهما شرطَ الواقف ما يجوز له اتبع؛ كتخصيص مدرسة أو رباط أو أصحاب مذهب بعينه” [التاج والإكليل:649/7]، خاصة إذا كان الحبس مسجدا، قال القاضي ابن العربي رحمه الله: “المسجد من جملة الأحباس اللازمة، بل هو من أوكدها؛ لأنها خالصة لله ومضافة إليه” [المسالك:461/6].
والواجب على مسؤولي الأوقاف في مسلاتة رد الأمور إلى نصابها، والمحافظة على الوقف حسب شرط الواقف، واستثمار ما حبس عليه من أراض وأشجار لصالح المسجد.
وأما الطريقة التيجانية؛ فهي طريقة منحرفة جدا عن الطريقة النبوية، واشتملت على مخالفات عظيمة، منصوص عليها في كتبهم المعتبرة، ككتاب: “جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني“ لعلي حرازم، تلميذ شيخ الطريقة ومؤسسها وخليفته، وكتاب: “رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم “لعمر الفوتي، و”الإفادة الأحمدية لمريد السعادة الأبدية” للسفياني، و”بغية المستفيد لشرح منية المريد” لمحمد العربي التيجاني، ومن تلك الانحرافات؛ القول بوحدة الوجود، والفناء في الله، وادعاء علم الغيب، وأن أتباعه يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، بل قال: “من حصل له النظر فينا يوم الجمعة أو الاثنين يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب”، وزاد في بغية المستفيد: “ولو كان كافرًا يختم له بالإيمان”، وأن صلاة الفاتح تعدل تلاوة القرآن الكريم ستة آلاف مرة، بل لا ينتفع بها إلا من اعتقد أنها من كلام الله تعالى، وأن ورد جوهرة الكمال لا يجوز قراءته إلا على وضوء، فمن كان فَرْضُه التيمم فعليه أن يذكر بدلها صلاة الفاتح عشرين مرة، إلى غير ذلك من العقائد الباطلة المنحرفة؛ مثل اعتقاد وحدة الوجود، وادعاء علم الغيب، وأن صلاة الفاتح من كلام الله، وأن أتباع التيجاني يدخلون الجنة بغير حساب؛ (افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [الأنعام:140]، فهذه معتقدات شركية، يجب على كل مسلم أن يتبرأ منها قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولاهم ينصرون) [الدخان:41]؛ قال الله تعالى مكذبا أقوالهم وأقوال غيرهم: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل:65]، وقال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) [الجن:26،27]، وليست صلاة الفاتح من كلام الله تَقدّسَ كلامُه وجل ثناؤه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]، وكلام الله العزيز وصل إلينا من طريق واحد، ليس له طريق غيره، وصل إلينا فيما بلغنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، أو في الأحاديث القدسية التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه، فمن ادعى كلاما لله من غير هذا الطريق، فهو مفتر على ربه، ضال مضل.
والله تبارك وتعالى أخبر أنه على عرشه، بائن عن خلقه، وليس متحدا معهم، كما يقول أصحاب هذه الطريقة؛ قال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5]، وقال تعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَنْ يَّخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَنْ يُّرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:17،16].
وكيف يملك التيجاني أن يدخل أتباعه الجنة بغير حساب، ولا يعذبون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله على الإطلاق – ومنهم التيجاني – يقول: (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا) [البخاري:2753،مسلم:351].
وطريقة التيجانية في الذكر مشابهة للطرق التي حذر منها كثير من علماء المالكية، الذين نقل أقوالهم أبو العباس الونشريسي رحمه الله في كتابه المعيار المعرب، وأبطلوا التحبيس عليهم ابتداء، فقالوا: لا يجوز، فما بالك بتغيير حبس المسجد لأجلهم، بل إن طريقة التيجانية في الذكر أشنع؛ لأنهم يلزمون المريد باستحضار صورة شيخ الطريقة أثناء الذكر، مع استعمالهم لآلات الطرب أثناء الذكر.
فيجب الحذر والتحذير من سلوك هذه الطريقة، التي لم تكن معروفة في بلادنا قبل عقدين من الزمان، حتى روج لها أحد الأشخاص من بلاد السودان، واغترَّ بها بعض العامة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01/رمضان/1437هـ
06/يونيو/2016م