بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2622)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تزوجتُ امرأةً غيرَ ليبية، فأخبرتني بعد عقد القِرانِ أنها كانت تدخن، وتركته بعد الخطوبة، ولن تعود إليه، فقلت لها: فلنفترق من الآن إذا كان ثمت احتمال لرجوعك للتدخين، ولو واحد في المئة، فقالت هي وأمها أنهما مستعدتان للحلف على المصحفِ باستحالة ذلك، ولكنها لم تتركه حتى وهي حاملٌ، فأريد الآن طلاقها للضرر، مع حضانتي لابنتي؛ لأنها تقلد ما تراه، وأخاف عليها أن تقلد أمها في التدخين، فهل لي ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن لم تستطع الاستمرار مع زوجتك، ويئِست من صلاحها، ورأيت المصلحة في الطلاق؛ فلك ذلك، بأن تطلقها طلقة واحدة في طهر لم تجامعْها فيه، مع إعطائِها حقوقَها.
وأما الحضانة فقد أجمع العلماء على أن الأم أولى بحضانة الأولاد، ما لم تتزوج؛ قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمعوا أن الزوجين إذا افترقا، ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح” [الإجماع:24]، والأب له حق الرعاية والرقابة والتأديب لأولاده، قال خليل بن إسحاق رحمه الله: “وللأب تعاهده وأدبه وبعثه للمكتب” [المختصر:139]، قال ابن عبد البر رحمه الله: “قال ابن وهب: وسئل مالك عن المطلقة، ولها ابن في الكتاب، أو بنت قد بلغت الحيض: للأب أن يأخذهما؟ فقال مالك: لا أرى ذلك، له أن يؤدب الغلام، ويعلمه، ويقلبه إلى أمه، ولا يفرق بينه وبين أمه، ولكن يتعاهده في كتابه، ويقر عند أمه، ويتعاهد الجارية، وهي عند أمها ما لم تنكح” [الاستذكار:71/23]، وقال الباجي رحمه الله: “وإذا كان الابن في حضانة أمه لم يمنع الاختلاف إلى أبيه يُعلّمه، ويأوي إلى الأم، رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون، ووجه ذلك أن الابن محتاج إلى أن يعلمه أبوه ويؤدبه، ويسلمه إلى من يعلمه القرآن والكتابة والصنائع والتصرف، وتلك معان إنما تستفاد من الأب، فكان الأب أولى بالابن في الأوقات التي يحتاج فيها إلى التعلم، وذلك لا يمنع [حق] الحضانة؛ لأن الحضانة تختص بالمبيت، ومباشرة عمل الطعام، وغسل الثياب، وتهيئة المضجع، والملبس، والعون على ذلك كله … وتنظيف الجسم، وغير ذلك من المعاني التي تختص مباشرتها بالنساء، ولا يستغني الصغير عمن يتولى ذلك له؛ فكان كل واحد من الأبوين أحق بما إليه منافع الصبي والقيام بأمره” [المنتقى:8/137].
ويثبت للمحضون على والده أثناء الحضانة النفقة كاملة، ويجب عليه ما يستلزم الحضانة؛ بتوفير المسكن للحاضنة، إمَّا بالبقاء بمحل الزوجية، أو أن يوفر لمطلقته الحاضنة محلًّا آخر على وجه الكراء، وتكون أجرة المسكن على الأب والحاضنة بالاجتهاد، بأن يجعل نصف أجرة المسكن مثلا على أبي المحضون، ونصفها على الحاضن، أو ثلثها على أبي المحضون، وثلثاها على الحاضن، أو العكس، وعند التنازع يرجع في تقديرها – والمكان الذي تكون فيه – إلى المحكمة، وإذا كانت الحاضنة فقيرة، فيجب على أب الطفل إسكانها، أو دفع أجرة المسكن كاملة إلى انتهاء مدة الحضانة، وحضانة الابن إلى البلوغ، والبنت إلى الزواج [حاشية الصاوي: 176/6-184].
وعليه؛ فالذي ننصحك به أن ترفع أمرك للقضاء؛ لأن في إمكانه التحقق من الدعاوى، وتحديد الأحق بالحضانة منكما، مع العلم بأن الحضانة إذا أسقطت عن الزوجة أو تنازلت عنها تنتقل إلى أم الزوجة، ثم إلى خالة الأم، ثم إلى عمة الأم؛ لأن القرابة من جهة الأم أحق من الأب وقرابته، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد علي عبد القادر
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
08/المحرم/1437هـ
21/أكتوبر/2015م