الانسلاخ من القبيلة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3065)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نحن ممّن أُجبرنا على تركِ مناطقنا في شرقِ ليبيا إلى غربِها، فرارًا بالنفس والدينِ والمال، ولا يخفى عليكم موقفُ شيوخ قبائلنا ممَّا يُسمى بـ(عملية الكرامة)، فمَن لم يكن منهم عونًا للظلم والطغيان والتعذيبِ والقتلِ، فهو بصمته وعدمِ اعتراضه أباحَ للطاغيةِ تمزيقَ النسيج الاجتماعيّ، وقتل الشيوخِ والخيِّرين.
وعليه؛ فقد عزمنا على الانسلاخ من قبائلنَا، والتبرؤِ منها ومِن مواثيقها، والتي بعضُها مخالف للشريعة، وهو أقل ما نقدمُه لاستغاثاتِ الأخوات والأمهات والأطفالِ والعجزةِ في قنفوذة وغيرها، فهل يجوزُ ترك الانتسابِ إلى قبائلنا، والاجتماعُ والترابط تحت مسمًّى جديدٍ يجمع الأحرار؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى، أمرٌ مرغبٌ فيه شرعًا، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (شهدتُ حلفَ المطيبينَ مع عمومتي – وأنا غلامٌ – فما أحبُّ أنّ لي حمرَ النّعم وأنّي أنكُثُهُ) [أحمد:1655]، وهو اجتماع في الجاهلية، ضمَّ بني هاشم و بني زهرة و تيم في دارِ ابن جُدعان، وتحالفوا على التناصرِ والأخذ للمظلومِ من الظالم، وجعلوا طِيبًا في جفنةٍ، وغمسوا أيديهم فيه. [النهاية لابن الأثير:149/3].
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من جاهدَ نفسه وتمسكَ بالحقّ، وقاوم ضغط القبيلةِ وقوةَ تيارها، ولو أدى ذلك إلى فراقِ الأوطان؛ ففي الحديث: (إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: (النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ) [ابن ماجه:3988]، قال ابن الأثير رحمه الله: “جَمْعُ نَازِعٍ ونَزِيعٍ، وَهُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي نَزَعَ عَنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ، أَيْ: بَعُدَ وَغَابَ… أَيْ: طوبَى لِلْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أوطانَهم فِي اللَّه تَعَالَى” [النهاية في غريب الحديث والأثر:41/5].
ومع ذلك؛ فلا يجوز التبرؤ من النسب إلى القبيلة، وإن أجرمَتْ، فإن ذلك من كبائر الذنوب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ترغبوا عن آبائِكم، فمن رغبَ عن أبيه فهو كُفْر) [البخاري:6768،مسلم:113]، قال ابن دقيق العيد رحمه الله: “الحديث، يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسبٍ غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة” [إحكام الأحكام:208/2].
وقد هاجر الصحابة من مكة مضطرين لأجل دينهم، ولم يتبرؤوا من الانتساب إلى قبيلتهم، التي ظلمتهم وقهرتهم بسبب إسلامهم، بل تبرؤوا من الكفر والكافرين وظلمهم وأهليهم، وجاهدوهم بالنفس والمال؛ إعلاءً للدين، ونصرة للملة.
ومما سبق يتبين أنه لا يجوز لكم تركُ الانتساب إلى قبائلكم، والتبرؤُ مِن ذلك، خاصةً وأن كثيرًا من الناس أو بعضهم لا يوافقون مشايخ القبائل في مواقفهم وبياناتِهم، ولكنهم مغلوبون على أمرِهم، فعليكم بالانحياز لأهل الحق؛ لتكثير سوادهم، والتعاون لقمع الظالمين ونصرة المظلومين، وفك الحصار عن المحاصرين، والتناصحِ مع من يقبل النصيحة من أبناء قبائلكم لكشف التدليس، وإيضاح ما التبسَ عليهم بسبب الإعلامِ المضللِ وغيره؛ ليتخلوا عن الظالم وإعانته على سفك الدماء، وإلا أصابهم ما يصيبه من غضب الله ولعنة الظالمين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26/ذو الحجة/1437هـ
28/سبتمبر/2016م