بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4686)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أوصى عمي بأرض زراعية مشجرة بالزيتون للفقراء والمساكين، وجعل الوصاية عليها لأبيه، فتوفي أبوه قبله، ثم توفي الموصِي دون أن يترك عقبا، ودون أن يُعلم أحدًا بالوصية، وعندما أراد الورثة قسمة تركته، وجدوا وثيقة فيها هذه الوصية، فتبرع أبي بتنفيذ الوصية، وتولى شؤون الأرض إلى أن توفي، وقبل موته أوصاني بالاستمرار في تنفيذ الوصية، فاعتنيت بها حتى عجزت عن ذلك، ففكرت في بيعها لإكمال بناء مسجد بالمنطقة، وحفر بئر ماء، وإنشاء مدرسة قرآنية، واستفتيت دار الإفتاء، فأفتتني بعدم جواز بيعها، ووجوب اتباع شرط الموصِي؛ لكن الموصِي ليس له عقب يقومون بالعناية بالأرض ورعايتها، وهي تحتاج سنويا إلى تقليم للأشجار، وجني للثمار، وحمايتها من التعدي عليها، وأنا عمري ثمانون سنة، وليس لي عقب، فأخشى على الأرض من البوار لعدم العناية بها الآن وبعد مماتي، فهل يجوز بيعها، وشراء منازل أو محلات تجارية يُصرف ريعها على الفقراء والمساكين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالوصية المذكورة من قبيل الوقف، وبيع الوقف لا يجوز، ولو خرب وتعطّل، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه، في أرض أراد أن يُحبِّسها: (… لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ) [البخاري: 2764]، وقال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ يُبَاعُ الحُبُسُ وَإِنْ خَرِبَ” [الرسالة: 119]، وإذا لم يعين المحبس ناظرا للوقف، فإن القاضي أو من يقوم مقامه من جماعة المسلمين في المنطقة يعينون ناظرًا، ويجعلون له أجرًا من غلة الوقف، قال الحطاب رحمه الله: “قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالنَّظَرُ فِي الْحُبُسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ مُحَبِّسُهُ، الْمُتَيْطِيُّ يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ فِي دِينِهِ فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيَجْعَلُ لِلْقَائِمِ بِهِ مِنْ كِرَائِهِ مَا يَرَاهُ سَدَادًا عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ” [مواهب الجليل: 6/37]، وبإمكان ناظر الوقف بعد تعيينه، أن يؤجر الوقف لمن يعمّره ويستثمره، ما دام أن الوقف ليس له ريع يعمَّر به، قال عليش رحمه الله: “وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ إجَارَةِ الْوَقْفِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ، وَيَخْتَصُّ بِزَائِدِ غَلَّتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ رَيْعٌ يُعَمَّرُ بِهِ، وَوَقَعَتِ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي وَقْتِهَا، وَجَرَى الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُمْ إلَى الْآنَ فِي مِصْرَ” [فتح العلي المالك: 2/239].
عليه؛ فتصرفك في الأرض بالبيع لشراء محلاتٍ لا يجوز وإذا تعذر عليك القيام بما ذكر، بتعيين ناظر للوقف عن طريق المحكمة، لإهمال القضاة وعدم قيامهم بأمور المسلمين في وصاياهم وأحباسهم أو لفقد العدالة فيهم، فإن جماعة المسلمين بالمنطقة من أهل الخير والصلاح وصلاة الجماعة في المساجد يقومون مقام القاضي في تعيين ناظر الوقف ليتولى أمره، بمقابل نسبة من ريعه، حسب العرف المعمول به في تلك الجهة، لأن جماعة المسلمين يقومون مقام الحاكم عند فقده، حسّا أو معنى، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//ربيع الأول//1443هـ
25//10//2021م