طلب فتوى
الإجارةالبيعالشركةالفتاوىالقرضالمعاملات

عقد فاسدٌ ابتداءً؛ لتردده بين ثلاثة عقود ( الشركة والإجارة والسلف)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4685)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في محضر اتفاق بين ع (الطرف الأول)، و ن (الطرف الثاني)، ما نصه: (م1: لما كان الطرف الأول يملك قطعة أرض مقام عليها مبنى من دورين ومخزن أرضي ومدخلين… ورغب الطرف الأول في القيام بعملية تحسينية وصيانة وتغيير الشكل مع إضافة مبان، وذلك وفق الرسومات والخرائط المتفق عليها بين الطرفين والمعتمدة من المكتب الهندسي الشرق/م/ع ذ، م2: يكون تمويل المشروع مناصفة بين الطرفين والقيمة المتوقعة ستمائة ألف دينار قابلة للزيادة والنقصان. م3: يتولى الطرف الثاني القيام بالمقاولة والإشراف وله الاستعانة بمن شاء في هذا المجال دون تدخل الطرف الأول، م4: الأعمال المراد تنفيذها هي: تغيير الواجهات بالكامل وفق الخريطة، تركيب مصعدين وإضافة صالون ومبان من الأمام والخلف، وإقامة عدد طابقين، والطلاء من الداخل والخارج والتشطيب النهائي وأي أعمال مكملة لذلك، م5: مدة إنجاز المشروع سنة من 01/04/2014م، وتنتهي في 31/03/2015م، مع مراعاة الظروف القاهرة والسوق، م1.6: تم تقدير المبنى قبل التنفيذ بمبلغ متفق عليه بين الطرفين وقدره مليونا دينار، وتقدير الأعمال المراد تنفيذها بـ ستمائة ألف دينار قابلة للزيادة والنقصان. م2.6: يتم استرجاع المبلغ المدفوع من الطرف الثاني مباشرة من قيمة الإيجارات فور تأجير العقار وفق القيمة المدفوعة، م3.6: مقابل الإشراف والتنفيذ والمبلغ المدفوع من قبل الطرف الثاني فإن قيمة الإيجارات لمدة ثمانية سنوات متواصلة يتم تقسيمها مناصفة بين الطرفين. م4.6: في حال بيع العقار بعد الإتمام النهائي من التشطيب فإنه يتم تقسيم الربح بين الطرفين مناصفة بينهما بعد خصم قيمة العقار قبل التشطيب والموضحة في العقد، وتشمل قيمة الربح أتعاب الإشراف والتنفيذ ورأس المال المدفوع من الطرفين، م7: على ورثة الطرفين احترام نصوص الاتفاق، وتنفيذ جميع ما جاء به. م8: يقر ع بأن نصف حصته في الإيجارات وفق المدة الموضحة بهذا الاتفاق تكون لصالح ابنه ض. قرئ على الطرفين فوافقا عليه وذيل بتوقيعاتهم وبصماتهم وتصديق محرر عقود رسمية)، توفي الوالد ع، واختلف بعض الورثة من بعده مع أخيهم ن، وتراضوا على الحضور لدار الإفتاء، وسؤالها على أمور تتعلق بهذا العقد، وهي: هل يلزم الورثة أن يسلموا القيم المذكورة في العقد للأخ ن ويستبد بها؟ وهل يصح التنازل من الأب للأخ ض، وفي حالة بيع العقار فهل له حصة أيضا؟ وما المقصود بقوله (نصف حصته) المذكورة في العقد؟ وفي حال ادعى الأخ ن دفع المبالغ المذكورة في العقد أو أكثر منها أو أقل، فهل يلزم بإثبات ذلك، أم هو مصدق في قوله؟ وإذا رغب بعض الورثة في بيع العقار، فهل يلزم البقية إجابتهم؟ علما أن الأخ ن مستعد لاستكمال تنفيذ العقد، ولا مانع لديه من البيع في حال أراد الورثة ذلك، وكيف تتم قسمة ثمن العقار إذا بيع قبل استكمال ما اتفق عليه في العقد؟ هل يعطى الأخ ن أتعابه فقط، أم له ما اتفق عليه؟ قام الأخ ن بالتعاقد مع مقاول، وكانت أجرته 15% من قيم التنفيذ والمواد، غير أنه لم يستكمل العمل وهرب، وكان قد أخذ عهدة، تحملها الوالد رحمه الله و ن، مناصفةً، فبحسبِ العقد: مَن يتولى ذلك؟ وهل للورثة المطالبة بالنصيب الذي دفعه والدهم؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالعقد المذكور فاسدٌ ابتداءً؛ لتردده بين ثلاثة عقود تختلف أحكامها، وهي: الشركة والإجارة والسلف، فاشتراط طرفي العقد -في حال بيع العقار بعد الإتمام- أخذ قيمة ما زيد فيه من مبانٍ وأعمال، مناصفةً يقتضي كونهما شريكين، واشتراط قبض الابن (الطرف الثاني) للإيجارات حتى يستوفي ما أنفقه في البناء، يقتضي كون ما دفعه سلفًا، وإعطاء الطرف الثاني نصف الأجرة سنين معلومة نظير قيامه بالبناء يعد إجارةً، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “مِنَ الْوَاضِحَةِ: إِن قَالَ أَصْلِحْ قَنَاتِي هَذِهِ وَمَا يَخْرُمُ مِن سَدِّهَا، وَلَكَ اغْتِلَالهَا سَنَةً، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى بِنَاءِ الْعَرْصَةِ، دَاراً أَوْ بَيْتاً بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ، سَمَّى مَا يُنْفِقُ أَوْ لَمْ يُسَمِّ، عَلَى أَنَّ لَهُ سُكْنَاهَا سِنِيناً مَعْلُومَةً مِثْلُ الرَّحَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا: وَإِذَا انقَضَتِ الْمُدَّةُ، فَلَكَ قِيمَةُ عَمَلِكَ قَائِماً، أَوْ إِذَا خَرَجْتَ أَوْ إِذَا أَخْرَجْتُكَ، فَلَكَ قِيمَةُ عَمَلِكَ قَائِماً” [النوادر والزيادات: 7/32-33]، وقال ابنُ رشد رحمه الله: “هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةٌ إِنْ أَكْرَاهُ الْعَرْصَةَ عِشْرِينَ سَنَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَن يَبْنِيَ بِهَا الْعَرْصَةَ لِرَبِّهَا، إِذَا شَرَطَ أَن يُقَاصَّهُ بِالنَّفَقَةِ فِي الْكِرَاءِ. وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَن يُقَاصَّهُ بِالنَّفَقَةِ فِي الْكِرَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ لَمْ يُوجِبِ الْحُكْمُ الْمُقَاصَّةَ بِهِ، وَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعَهُ بِنَفَقَتِهِ سَلَفاً حَالاًّ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ الْكِرَاءَ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ” [البيان والتحصيل: 9/16]، واشتراطُ الطرف الثاني استحقاقه نظير الإشراف والمتابعة نصف الإيجارات ثمان سنوات لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع إجارة وسلف، وهو شرط الرجوع على الإيجارات بما أنفق في البناء حتى يستوفي ذلك، والإجارة كالبيع لا يجوز اجتماعها مع السلف لما جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ) [السنن للبيهقي: 10880]، وعلى اعتبار أن ما دفعه الطرف الثاني سلفٌ فيكون أخذ ما  زاد من الأجرة على قدر ما أنفق من السلف بزيادة، وإذا كانت المعاملة فاسدةً شرعًا، واطلع على فسادها قبل تمام البناء المتفق عليه؛ فيعطى العامل (الطرف الثاني) قيمة ما زاده في البناء قائمًا، يوم الحكم بالفسخ، فيقوم الآن البناء بوضعه قبل عمل الطرفين، ويقوم بما زاداه في المبنى، فيعطى لكلٍّ من الطرفين أو ورثتهما نصف قيمة الزيادة؛ لأنهما مشتركان في نفقة الزيادة، قال ابن رشد رحمه الله في حكم المعاملة الفاسدة على بناء رحى ونحوها: “وَاخْتُلِفَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَ بِالْعَمَلِ هَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ بِحُكْمِ الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ إِذَا لَمْ يَنُصَّا فِي مُعَامَلَتِهِمَا كِرَاءً وَلاَ إِجَارَةً… وَأَمَّا لَوْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ بِحُدْثَانِ الْبُنْيَانِ لَوَجَبَ أَن يَكُونَ لَهُ قِيمَةُ بُنْيَانِهِ قَائِماً قَوْلاً وَاحِداً” [البيان والتحصيل: 10/277-278]، ويعطى الطرف الثاني على القيام بالإشراف ونحو ذلك أجرة مثله فيما عمله في نصيب شريكه الطرف الأول وهو الأب كما هو الحال في العقود الفاسدة.

عليه؛ فالواجب أن يعطى الطرف الثاني (ن) قيمة حصته في الزيادة التي أنفقها، كما بُيّن، وأجرة مثله على الإشراف على العمل، في نصيب شريكه الطرف الأول وهو الأب، ويبقى العقار كاملا على الحالة التي هو عليها -بعد إعطاء نجيب قيمة ما أنفقه على الزيادة وأجرة مثله على العمل- بجميع منافعه وعوائده للورثة، يقسم بينهم حسب الفريضة الشرعية، ويحرم الاستمرار في هذا العقد؛ لأنه فاسد، والعقد الفاسد منهي عنه، ومن أراد من الورثة بيع حصته فالواجب أن يجاب لذلك، فيقسم العقار إن كان يقبل القسمة دون ضرر، وكان ثمن الحصة لا ينقصُ إن باع كلٌّ حصته مستقلا، وإلا بيع العقار كلّه وقسم ثمنه، وهذا فيما يراد للكراء وغيره على ما هو إطلاق المذهب، وقيده ابن رشد وغيره في غير الرباع التي تراد للغلة، ومحصل كلامهم الذي ذكره الزرقاني في التوفيق بين إطلاق المذهب وتقييد ابن رشد أنه إن كان العقار الذي لا يقبل القسمة تنقص قيمته إن بيع مجزءا، فيجبر على البيع من أباه، وإن كانت قيمة بيعه مجزءا لا تنقصه فلا يجبر على البيع من أباه، قال الزّرقاني رحمه الله: “(لاَ) إِنِ اشْتَرَيَا مَعاً (‌كَرَبْعِ ‌غَلَّةٍ) أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ فُرْنٍ فَلَا يُجْبَرُ الْآبِي لِلطَّالِبِ لِعَدَمِ نَقْصِ مَا بِيعَ مِنْهُ مُفْرَداً عَادَةً بَلْ قَدْ يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ الشِّقْصِ دُونَ الْجَمِيعِ فَإِنِ اعْتِيدَ نَقْصُهَا جُبِرَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ” [شرح الزرقاني على المختصر: 6/373]، وأما التنازل للابن رضَا عن نصف حصة من الإيجارات، فهو مبنيّ على ترتب أثر العقد المذكور فيه التنازل لو كان صحيحا، وهو حصول الطرف الأول على نصف الإيجارات لمدة ثماني سنوات، وقد تبين فساد العقد، فكذلك آثاره، قال ابن عظوم رحمه الله: “وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ آثَارَ الْعُقُودِ وَلَوَازِمَهَا إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا لاَ عَلَى بُطْلَانِهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً فَلَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارِهَا” [الأجوبة: 5/251]، وأما المقاول الذي ترك العمل حال حياة الوالد، وكان قد دفع الطرف الثاني (ن) مع والده (الطرف الأول) مستحقاته مناصفةً، وادعى الورثة أنه لا يلزم والدهم دفعها؛ لأن المقاولة والتنفيذ مشترط على الطرف الثاني ن وحده، وادعى ن أن أباه لم يطالبه بها، وأنه أعلمه بالاتفاق مع المقاول، فالقول فيها للطرف الثاني ن، ولا يرجع الورثة عليه بشيء مما دفعه مورثهم؛ لأن مقتضى الشراكة بينهما بالمناصفة في المال، يستلزمُ شرعًا التساوي في العمل والربح، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

18//ربيع الأول//1443هـ

25//10//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق