طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوىالنكاح

الطلاق قبل الدخول طلاق بائن بينونة صغرى

نسبة الولد من الوطأ بشبهة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4581)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

عقدتُ على امرأة، وقبل الدخولِ بها حدثت بعضُ المشاكلِ فطلّقتها، ثم دخلتُ بها، مِن غير تجديدٍ للعقدِ وأنجبتْ لي طفلتينِ، وبعد سنتين طلّقتها، ثم بعدَ نحوٍ مِن خمسة أشهرٍ أرجعتها بعقدٍ جديدٍ، ثم بعد سنةٍ ونصفٍ طلّقتها، وبقيتْ ثمانية أشهرٍ عند أهلها، فهل يحلُّ لي إرجاعُها بعقدٍ جديدٍ؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ الطلاق الواقعَ قبلَ الدخولِ يعدُّ طلاقًا بائنًا، يحتاجُ إلى عقدٍ جديدٍ، ولا يكونُ رجعيًّا؛ لأنّ الرجعةَ إنما تكونُ في العدة، والله تعالى أخبرَ أنّ المطلقةَ قبل الدخول لا عدَّة عليها، فلزمَ أن يكونَ طلاقُها كلُّه بائنًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾[الأحزاب:49].

وبما أنه لم يُعقد على المرأةِ بعد هذهِ الطلقةِ البائنةِ، فإنّ الدخولَ الذي حصلَ بعدها يعدُّ وطئًا محرمًا، ويجبُ على مَن فعلَ ذلكَ التوبةُ مِن هذه المعصيةِ التي ارتكبها، أمّا الطلاقُ الواقعُ بعد هذا الدخولِ فلا يُعدُّ طلاقًا نافذًا؛ لأنه لم يصادفْ زوجة في العصمة، ولا بد -لكي يكونَ العقدُ عليها صحيحًا – أن تُستبْرَأَ المرأةُ مِن وطء زوجها الفاسدِ بثلاثِ حيضاتٍ، وبما أنها قد مكثت في بيت أهلها قريبًا مِن خمسة أشهر، فقد مضتْ مدةُ الاستبراء.

وأما نسبةُ الولد الذي حصل من هذا الوطء الفاسد، فإنْ كان الزوج دخل بالمرأة جاهلا بالتحريم، فيلحقُ به الولد؛ لأن الوطء كان بشبهة، قال التسولي رحمه الله: “وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده كَنِكَاح ذَات محرم أَو خَامِسَة أَو مُخْتَلفا فِي فَسَادِهِ كالْمُحْرِم، والشِّغَارِ إِنْ دُرِىءَ فِيهِ الْحَدُّ عَن الزَّوْجِ بِعَدَمِ عِلْمِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَمُطْلَقاً فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَلَو خَارجَ الْمَذْهَبِ يَدْرَأُ الْحَدَّ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ”[البهجة:1/430]، وإن كان الزوج عالما بالتحريم، فإنّ وطأه يعد زنا، والأصل الذي عليه جمهورُ أهلِ العلمِ؛ أنّ ولدَ الزنا ينسبُ لأمِّه، ومِن أهل العلمِ مَن يجوّزُ نسبتهُ إلى الزاني، منهم إسحاقُ بنُ راهويه، والحسنُ البصريُّ، وعروةُ بن الزبير، وسليمانُ بنُ يسار، ومحمدُ بنُ سيرين، وعطاءُ بنُ رباحٍ، ذكرَ ذلك ابنُ القيم في زادِ المعادِ [5/425].

عليه؛ فإن كان الحالُ كما ذكر، فإنّ الطلاقَ الواقعَ على المرأة طلقتانِ، طلقةٌ قبل الدخولِ، وهي الطلقةُ الأولى، والطلقةُ التي وقعتْ بعد مضي مدة الاستبراءِ والعقدِ الصحيحِ، وهي الطلقةُ الثانية، وبما أنّ المرأة قد مكثتْ أشهرًا بعد هذا الطلاقِ، فإنها تكونُ قد خرجتْ من العدةِ، ولا بدّ لإرجاعِها مِن عقدٍ جديدٍ، وعلى الرجلِ أن ينتبهَ لنفسهِ، ويبتعدَ عن التلفظ بالطلاق؛ لأنه إذا طلّق مرةً أخرى فإنّ المرأة تحرمُ عليه، ولا تحلّ له إلا بعدَ الزواج بآخر، وأما نسبة الأولادُ فيلحقون به ولو كان عالما بالتحريم أخذا ببعض أقوال أهل العلم، نظرًا لتشوفِ الشارعِ لحفظِ الأنساب، ورعايةً للأولاد، وحمايةً لهم من التشردِ والضياع، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي امحمد الجمل

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//ذي الحجة//1442هـ

25//07//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق