الوصية تمضي في ثلث التركة فأقل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5086)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
في وثيقة محررة بتاريخ: 2010/08/04م، وهبَ وتصدق ص منزله بسبها لمركز تحفيظ القرآن الكريم التابع لمسجد سيدي حامد الحضيري، كما تصدق بمكتبته لمكتبة المسجد نفسه، علمًا أن المتصدق قد بقي يسكن البيت المتصدق به إلى أن توفيَ بتاريخ: 2022/02/26م، وشهد على هذا خمسةُ أشخاص كما في الوثيقة، ولم يبقَ منهم حيًّا إلّا اثنان، وقد شهد أحد الاثنين مع شخص آخر -وهو المكلف بتسليم المنزل والمكتبة- بأنه طلب كتمان الأمر إلى حين وفاته، فما حكم هذه الوثيقة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الوصية تحصلُ بلفظ صريح أو بلفظ غير صريح، قال الدسوقي رحمه الله: “(قَولُه بلَفْظٍ يَدُلَّ) أَيْ يَدُلّ علَيْهَا صَرَاحَةً كَأَوْصَيْتُ أَوْ كَانَ غَيْرَ صَرِيحٍ فِي الدَّلاَلَةِ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ إِرَادَةُ الْوَصِيَّةِ بِالْقَرِينَةِ كَأَعْطُوا الشَّيْء الْفُلَانِي لِفُلَانٍ بَعْدَ مَوْتِي” [حاشية الدسوقي: 423/4].
وقد جعلَ اللهُ للمسلم الحقّ في الوصية بثلث ماله، إذا لم تكن لوارث؛ ففي الحديثِ: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ، عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) [ابن ماجه: 2709]، ولا يجوزُ له الوصية بأكثر من الثّلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد أراد أن يوصي بماله كله: (الثُّلُثُ، وَالثّلُثُ كَثِيرٌ) [البخاري: 2742، مسلم: 1628]، فإن وقعت الوصية بأكثر من الثلث يوقف الزائد منها على إذن الورثة، ويعدّ إذنهم بذلك ابتداء عطية منهم.
عليه؛ فإن شهادة الشهود -التي بينت مراد المتصدِّق من جعل المتصدَّق به وصية بوقف على المسجد المذكور- تحمل على أنها تفسير للوثيقة الأولى، ويكون المراد منها هو الوصية بكامل البيت والمكتبة للمسجد المذكور، ولا تنفذ الوصية إلا في ثلث أملاك المتصدِّق، فتجمع أملاكه كلها وينظر؛ هل البيت والمكتبة تسع ثلث أملاكه، أم لا؟ فإن وسعت يكونُ كاملُ البيت والمكتبة للمسجد، وإلَّا فيُعطى للمسجد من المكتبة والبيت بقدر الثلث، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01//رجب//1444هـ
23//01//2023م