طلب فتوى
التبرعاتالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

الوقف المشاع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3464)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

نحن ورثة المرحوم (ن)، ورثنا عن أحد جدودنا الأوائل – والمتوفّى في العشرين من القرن الماضي – قطعة أرض بمصراتة، وهذه الأرض تعرف بـ(ج)، أو (س)، وكتب جدّنا في وصية هذه الأرض؛ أن ربع الأرض تعود لمسجد (البقرة)، هكذا سماه في الوصية، وبعد السؤال عن هذا المسجد في أوقاف مصراتة، قالوا لنا: “لا يوجد مسجد في المكتب بهذا الاسم، ولا ندري هل تمّ تغيير المسجد أم هُدم”، وبعد السؤال عن هذه الأرض في الأوقاف، وهل لها ملف في إدارة الوقف؟ قالوا لنا: “إنّ الأراضي القديمة ليس لديهم فيها أي مستندات”، والأرض الآن بها طريق عام، فقد يكون جزء المسجد استقطع في الطريق، والآن الورثة يرغبون في تصفية التركة، وبيع هذه الأرض، فكيف يتسنّى لهم ذلك؟ وهل يجوز لنا استقطاع الربع من الأرض، التي وقّف فيها الوقف على الشيوع؟ وكيف نتصرّف في هذه الأرض الموقوفة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فيجوز وقف المشاع، ويدل على جواز ذلك ما جاء في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمرَ ببناء المسجد، قال: (يَا‏ بَنِي النَّجَّارِ‏‏، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ) [البخاري:2771]، فتصدَّقوا بالأرض المشاعة بينهم، وقد وقف عمر رضي الله عنه مائة سهم مشاعة من حصته بخيبر، وينبغي فرز الأرض بتحديد حصة الوقف، فتقسم الأرض على أربعة حصص، ويعطى للوقف ربعه، بحيث ينوبه ما ينوب كل حصّة من المصلحة، في اشتمالها على جزء من الموقع الأفضل، كأن تعطى جزءًا على الطريق العام، أو بالتعويض، إذا لم تعطَ شيئا من واجهة الطريق العام، ولا يُهضم حقّها، ويُستعان في هذا بالمتخصصين في هذا الشأن، فإن كان العقار لا يقبل القسمة؛ فإنه يباع، ويجعل ثمن ما ينوب الوقف في وقفٍ مثله، قال الدردير في الشرح الكبير: “أو كان مشتركاً شائعاً فيما يقبل القسمة، ويجبر عليها الواقف إن أرادها الشريك، وأما ما لا يقبلها ففيه قولان مرجحان، وعلى الصحة يجبر الواقف على البيع إن أراد شريكه، ويجعل ثمنه في مثل وقفه” [76/4]، فينبغي أن يُفتح للأرض ملفٌّ في هيئة الأوقاف، ويُعيّن لها ناظرٌ يقوم باستغلالها، وصرف ريعها في مثلها؛ قال خليل: “وفي كقنطرة لم يُرْجَ عودها في مثلها وإلا وُقِفَ لها” [المختصر:212]، قال الخرشي شارحا: “يعني أن من حبس حبسا على بناء قنطرة أو في مصالح مسجد وما أشبه ذلك، فخربت القنطرة أو المسجد مثلا، فإن رجي عوده لما كان عليه فإن الحبس يوقف له، وإن لم يرج عود ذلك لما كان عليه فإنه يصرف في مثلها، أي: في النفع لا المماثلة في الشخصية، فقوله في مثلها أي: في مثل مقصدها، وليس المراد بها المماثلة في الشخصية” [شرح الخرشي على مختصر خليل:91/7]، وفي الشرح الصغير: “(و) رجع الوقف (في) التحبيس على (كقنطرة) ومسجد ومدرسة خربت و(لم يرج عودها في مثلها) حقيقة إن أمكن، فيصرف في قنطرة أخرى أو مسجد آخر أو مدرسة أخرى” [175/2]، هذا في المسجد الخرب، الذي لا يرجى عوده، وإذا لم يوجد المسجد أصلا فصرفه على مسجد آخر من باب أولى، كما هو الحال المذكور في السؤال.

وعليه؛ فتستغلّ قطعة الأرض، وبخاصة أنها – كما جاء في السؤال – داخلة في المخطط، فإذا أمكنت عمارتها باستثمارها بإقامة مبنى فيها مشاركة مع مال من وقف آخر، أو مع صاحب رأس مال فذلك أفضل، فإن لم يتأتَّ شيءٌ من ذلك، فعلى الناظر أن يسيجها، ويقوم بحفظها، وتأجيرها على الحالة التي هي عليها؛ لأن المطلوب من الناظر أن يعمل على الاستفادة من الوقف ما أمكن، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

29/ربيع الآخر/1439هـ

16/يناير/2018م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق