طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

بطاقات الإقراض (الكريدت كارد) والرسوم التي تؤخذ عليها

بطاقات الإقراض (الكريدت كارد) والرسوم التي تؤخذ عليها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , وبعد

بطاقات الإقراض وتعرف بالبطاقات الائتمانية عالميا (كريدت كارد)، هذه بطاقات عمت بها البلوى في البنوك الربوية شرقا وغربا، وكذلك في البنوك الإسلامية لحاجة الناس إليها، حتى إن بعض المؤسسات في البلاد الغربية لا تقبل التعامل في البيع أو التأجير أو أداء الخدمات إلا بها، فلا تقبل الدينار ولا الدرهم ولا النقد الحاضر، بل تطلب تحديدا هذا النوع من البطاقات، وإلا ترفض المعاملة، وهذا لا يبعد أن يكون بإيعاز وتشجيع وبحوافز وعمولات من المؤسسات التي تصدر هذه البطاقات.

أطراف التعاقد على هذه البطاقات ثلاثة؛ المستفيد صاحب الحساب، والبنك  الذي لديه حساب المستفيد، وقد لا يكون لصاحب البطاقة حساب لدى البنك كما في بطاقات أمريكان إكسبرس، والطرف الثالث المؤسسة الراعية والمنظمة لاتفاقيات إصدار البطاقات، وهي مؤسسة فيزا وما كان على شاكلتها.

أشهر أنواع بطاقات الإقراض:

أشهر بطاقات الإقراض (الكريدت كارد) التي تصدر عن البنوك الأوربية وأكثر البنوك في البلاد الإسلامية يرجع إلى ثلاث نؤسسلت؛ مؤسسة الفيزا الراعية للبطاقات الصادرة عن مجموعة باركليز بنك بالاتفاق معها، ومؤسسة الماستر كارد الصادرة عن عدد من مجموعة بنوك أوروبية أخرى كـ(النّت وست) وغيره، ومؤسسة اليورو كارد .

أما البطاقات الصادرة عن المؤسسات المالية الأمريكية فتحمل اسم أمريكان إكسبرس، وهي مؤسسة مالية مصرفية تحتكر إصدار البطاقات باسمها ولا تسمح حتى بوضع اسم البنك الذي لديه حساب المستفيد على البطاقة، كما هو الحال في البنوك والمؤسسات الأوربية الفيزا وغيرها.

والمؤسسات الغربية التي ابتكرت نطام البطاقات هذا ووضعت له شروطه وعممته على العالم طوعا أوكرها، فقبله بما فيه ـ قوانينها تبيح الربا فلا ترى فيه بأسا، لذا فإنها تشترط ابتداء على المتعامل بالبطاقة أن يقبل التعامل بالربا ودفع الزيادة على تأخير سداد ما عليه من الديون، وهي لا تفتأ ترغب عملاء البنوك الداخلين ضمن اتفاقياتها في استصدار هذه البطاقات، وترسل إليهم في بيوتهم نماذج بها كم من المعلومات في صورة شروط، لإصدار البطاقة للراغب فيها، ولا يكلف الراغب سوى توقيع ذلك النموذج الذي لا ينظر إليه الواقع في يده لأول وهلة سوى أنه عرض لخدمات تقدم للعملاء، كلها غنم وربح، ولا يوحي مضمونه بأنه وثيقة تعاقد، وتسهيلا للمهمة، فإن هذا النموذج جاهز للإرسال، مصحوب بظرف معنون إلى الجهة المصدرة للبطاقة، مدفوع أجرة البريد مسبقا.

وكم يتمنى المرء أن يكون هذا المستوى من الخدمات المرغبة للعملاء في العقود الربوية مطبقا في البنوك الإسلامية، لتجمع مع التعامل الصحيح الخالي من الربا، إيصال الخدمات إلى عملائها، سهلة ميسرة، لا تتطلب عناء ولا كدا، وتحترم أوقاتهم ورغباتهم.

ومن الشروط و(التسهيلات) التي يوقع عليها راغب الاشتراك في تلك النماذج، أن المؤسسة التي تصدر البطاقة وترعاها تسدد عنه المال الذي استعمل من أجله البطاقة، دون فرق ما إذا كان رصيده في البنك مغطى أو كان حسابه مكشوفا وسواء كان استعمال البطاقة في السحب النقدي أو كان مدفوعا بواسطتها إلى جهة أخرى في حدود القدر المسموح به الذي يختلف باختلاف حامل البطاقة وملائه والثقة في ذمته المالية ونوع البطاقة.

ولما كانت المؤسسة البنكية لا تخصم هذا المال من حساب حامل البطاقة رأسا حتى لو كان رصيده يسمح بذلك، بل يخصم المال من حساب البنك أو المؤسسة التي أصدرت البطاقة، فإن ما يسدد عنه يعد دينا عليه يؤخذ من حسابه فيما بعد، والمؤسسة المصدرة للبطاقة هي في الوقت نفسه تشترط عليه أنه إن سدد الدين من حسابه خلال مدة محددة؛ شهر أو نحو ذلك، فلا يطالب بفائدة زائدة على هذا الدين، وإن تجاوز المدة ولم يغط حسابه بقدر الدين الذي سدد عنه، بدأت الفوائد تشتغل، تزيد وتتضاعف مع الزمن، هذا بالإضافة إلى اشتمال النموذج على شروط المصاريف والرسوم على الخدمات الأخرى المترتبة على استخدام البطاقة أو إصدارها، وعلى استخدامها في شراء عملة أخرى مخالفة لعملة حساب صاحبها، حيث تؤخذ منه مصاريف إضافية عن كل عملية صرف، علاوة على الربح الحاصل من عملية الصرافة نفسها، حيث يكون سعر الصرف عادة عاليا لصالح البنك.

حكم استصدار هذه البطاقات:

تبين مما سبق أن هذه البطاقات هي بطاقات إقراض، فالذي يستعملها لا يستعمل المال من رصيده رأسا، وإنما هو متعاقد في كل معاملة يستعمل فيها البطاقة على أن يستدين ذلك القدر المسموح له في تلك المعاملة إلى أجل محدد يتم فيه التسديد من حسابه تلقائيا.

وعليه فالمحذور في استعمال هذه البطاقات بالشروط المتقدمة على النحو السابق يتمثل في الآتي:

1 ـ ما يشترط في العقد على العميل من الزيادة عند تأخير التسديد على المدة المحددة، وهو ربا محرم، لأنه زيادة على دين القرض نظير الأجل، وهذا هو الربا بعينه.

2 ـ ما يؤخذ من المستفيد عن استخدام هذه البطاقة زائدا على التكلفة القليلة للإصدار والخدمات يدخل هو أيضا في هذا الإطار المحرم، وهو الإقراض بفائدة، لأنه زيادة عن القرض.

3 ـ ما تأخذه المؤسسة من عمولة زائدة على سعر الصرف حين يتم استخدام البطاقة في سحب عملة أجنبية مخالفة لرصيده، إذ ليس لهذه الزيادة ما يبررها، فليست إلا ربحا عن العملية التي قامت المؤسسة فيها بإقراضها المستفيد من عندها إلى حين يتم تحصيلها بعد ذلك من حسابه.

وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي القرار رقم 108 نص فيه على أن السحب النقدي من قبل حامل البطاقة إقتراض من مُصدرها ، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، وذكر أنه يجوز أن يأخذ مصدر البطاقة من العميل رسوما مقطوعة عند الاصدار والتجديد بصفتها أجرا فعليا علي قدر الخدمات المقدمة منه، وكل زيادة علي الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا

كما جوز القرار أخد البنك المُصدر للبطاقة من التاجر عمولة علي مشتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد.

 وذكر القرار أنه لايجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة.

المسلمون في بلاد الغرب وحاجتهم إلى هذه البطاقات:

ما موقف الذين يعيشون في الغرب ولا حيلة لهم إلا التعامل ببطاقات الإقراض هذه، وهل يحل الإشكال بالنسبة إليهم لو أن الواحد منهم يعزم ألا يتأخر عن السداد على المدة المعفى فيها القرض من الزيادة، وبذلك يكون اشتراط الزيادة عليه عند التأخير معطل من الناحية العملية، ويدخل في قاعدة (الصور الخالية من المعنى) وفي ترتب الحكم عليها بناء على وجود الصورة دون المعنى خلاف عند المالكية، قيل يترتب نظرا للصورة الظاهرة، وقيل لا يترتب لأنها خالية من معنى التحريم في مسألتنا هذه، وذلك لعزم حامل البطاقة على تعطيل المعنى الفاسد في العقد، فلم تبق فيه إلا صورته، والمشهور عند المالكية المنع.

كما أن المالكية والشافعية يقولون إن العقد المقترن بشرط فاسد باطل، سواء عمل به أو لم يعمل، للنهي عنه وعدم جواز الإقدام عليه، وقال الحنفية والحنابلة: لا يبطل العقد بالشرط الفاسد، بل يلغى الشرط ويصح العقد، لحديث بريرة حيث اشترط أهلها أن يكون لهم الولاء، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق)، ولم يعبأ بشرطهم المخالف، وأمضى البيع.

لكن الإشكال في عقد البطاقات، أن المستفيد لا يملك إبطال الشرط من طرف واحد، فلو افترضنا أن حصل منه تأخير عن السداد لسبب من الأسباب، ما استطاع أن يلغي الشرط ويتأبى عن الدفع، بل تطبق عليه القوانين بالزيادة إن امتنع أضعافا مضاعفة كلما تأخر، فالإشكال باق حتى على مذهب الذين يبطلون الشرط ويصححون العقد.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي السالف الذكر أنه لا يجوز اصدار بطاقات الإتمان غير المغطات ولا التعامل بها إذا كانت مشرزطة بفوائد ربوية على التأخير حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد خلال فترة السماح المعفاة، لذا فالمتعين على الذين يقيمون في الغرب أن يتجنبوا استصدار هذه البطاقات ما أمكن، وأن يستعملوا بدلها بطاقات السحب الأخرى، التي ليس فيها إقراض، مثل بطاقة السحب المباشر من الرصيد (ديبت كارد)، أو استعمال دفتر الصكوك معها، فإن هذه البطاقات وإن لم تكن لها ميزات في سهولة التعامل كتلك التي في بطاقة الإقراض، لكنها نظيفة خالية من الربا المحرم، ومن شبهة الربا.

البطاقات التي تصدرها البنوك في البلاد الإسلامية:

المؤسف في الأمر أن الشروط التي تضعها المؤسسات الغربية (الفيزا وغيرها) على النحو السابق لإصدار هذه البطاقات، هي الشروط بعينها التي تشترط لإصدار البطاقات في البلاد الإسلامية، بل إن البطاقات الصادرة من البنوك المحلية في البلاد الإسلامية تحتفظ بانتماء كامل إلى المصدر الأم، وتطلق على البطاقة الاسم نفسه، فيزا كارد أو نحو ذلك، حتى لو كانت البطاقة صادرة من بنك إسلامي، وسبب ذلك أن أخطبوط هذه المؤسسات الدولية المالية الكبرى مسيطر سيطرة كاملة على تنقل الأموال والتعامل المصرفي في كل العالم، ولا تسمح إلا أن يكون تحت سمعها وبصرها، وتأتيها عمولاته أينما وجد وحيثما حل، فلا استقلالية للمسلمين في بنوكهم البتة، وليست لديهم قدرة عن فك التبعية حتى في الاسم الذي تحمله البطاقة، وحتى لو غير الاسم، فهو تغيير شكلي في الصورة، أما التبعية الفعلية فلا تزال قائمة إلى حد الآن.

البنوك الإسلامية وبطاقة فيزا:

تصدر البنوك الإسلامية بطاقة الفيزا وغيرها مما يسمى ببطاقات الائتمان  (الكريدت كارد)، حيث يعطي البنك بطاقة فيزا أو غيرها من مثيلاتها، ويحق لمن أعطيت إليه أن يشتري بها ويتحصل على النقد في قدر محدد، حتى لو لم يكن له رصيد.

وتختلف عن البنوك الأخرى أنه في حالة التأخر عن السداد لا يتم زيادة أي مبلغ على الدين، غاية ما في الأمر أنه يتم إيقاف التعامل بالبطاقة، وهذه حسنة خالفت فيها البنوك الإسلامية البنوك التقليدية، فسلمت من الربا من هذا الوجه، إلا أن العمولات التي تفرضها البنوك الإسلامية على التعامل بالبطاقة في كل مرة يتم فيها السحب تثير إشكالا من حيث إنه لا يراعى فيها أحيانا التكلفة الفعلية للخدمات المقدمة، مثل توفير أجهزة السحب وخلافه، وكذلك لا تراعى فيها التكلفة الفعلية لإصدار البطاقة، ولما كانت البطاقة في الحقيقة بطاقة إقراض كما سبق، فإن أي زيادة من البنوك الإسلامية في العمولات التي تأخذها على استعمال البطاقة تدخل في الإقراض بفائدة، المحرم شرعا.

قد يقول قائل: إن ألزمنا مُصدر هذه البطاقة في البنوك الإسلامية أو غيرها بألا يأخذ عمولات أزيد على التكلفة الفعلية لإصدار البطاقة، وألا تأخذ أزيد من تكلفة الخدمات للخدمة الفعلية التي تقدمها للعملاء، كتوفير أجهزة السحب وربطها بالمؤسسات والمصارف وغير ذلك ـ يقال ما مصلحة هذه المؤسسات من العملية برمتها، ولِم تقوم بهذه الخدمات وتصدر البطاقات إن لم تكسب، ولو كان الأمر كذلك خاليا من الزيادة والربح لقفلت المؤسسة التي ترعى البطاقة أبوابها وفلست.

أقول: الأمر ليس كذلك، فإن المؤسسات التي تصدر ما يسمى بطاقات الائتمان أو الإقراض، مثل فيزا، لها أرباح من وجوه أخرى مشروعة، فهي تأخذ عمولات مشروعة من أولئك الذين قبضوا المال بواسطة استعمال البطاقة ثمنا  لسلعة باعوها نظير خدمات قدموها، وتأخذ عمولات عالية عند استخدام البطاقة في الصرافة عند السحب بعملة أخرى غير العملة التي بها حساب حامل البطاقة، لذا يجب أن تكف عن أخذ العمولات غير المشروعة الزائدة عن التكلفة الفعلية المقترنة بالإقراض التي سبق التنبيه عليها.

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

تاجوراء, 22 شوال 1430 هـ

المرافق 11 / 10 / 2009

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق