طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

محبتُّكَ للنبيِّ ﷺ في المحَكِّ

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

محبتُّكَ للنبيِّ ﷺ في المحَكِّ

اللهُ تباركَ وتعالى في عليائِهِ وكبريائهِ – جلَّ جلالُهُ وعظمَ شأنُهُ وسلطانُهُ وتقدسَتْ أسماؤُهُ وصفاتُهُ – لمْ يُنادِ نبيَّه محمدًا ﷺ في القرآنِ إلَّا بِـيَا أَيُّهَا النَّبِيّ، يا أيُّها الرسُولُ؛ تعظيمًا له وتوقيرًا، ولم ينادِهِ باسمهِ المجردِ (يَا محمَد) ولو مرَّةً.
وتَرَى في الناسِ الوضيعَ الحقيرَ النّجْسَ الرِّجْسَ، الذي لا يحسنُ الاستنجاءَ ولا التنظّفَ مِن قاذوراتهِ، يسيءُ إلى النبيِّ الكريمِ ويتنقصُهَ، ويعيبُهُ، ويؤذِي المسلمينَ بأذيتِهِ، بل لا يُفوّتُ فرصةً بمناسبةٍ وغيرِ مناسبةٍ إلَّا ويستَهزئُ بالإسلامِ وأهلِهِ، بأسلوبٍ عنصريٍّ مَقيتٍ، ولا يبالي بمشاعرِ الأمةِ أجمعِها.
ولا يقتصرُ هذا على أفرادٍ من تلكَ البلادِ المعاديةِ للإسلامِ، بل تجدُ رئيسَ الدولةِ ومسؤولين كبارًا معه تتولَّى تلك الإساءَةَ البالغةَ، تدافعُ عنها، تُعْلنُها وتجهرُ بها ولا تخفِيها، مثل فرنسا والهندِ هذه الأيام، والمسلمونَ حكّامًا وتُجارًا ومستهلكينَ، يُقبلُون على منتجاتِ تلكَ الدول بنَهمٍ في الدواءِ والغذاءِ، فضلًا عن الكمالياتِ مِن موادِّ الزينةِ والتجميلِ، ترى هذه السلَعَ مكدسَةً في الأسواقِ، طاغيةً على غيرِها مِن منتجاتِ بلادٍ أخرى صديقةٍ مسلمةٍ مناصرةٍ، مثلِ تركيَا أو غيرها من بلاد مسلمة غير معادية، يُقبلُ المشترِي على الأولى المعاديةِ، ولا يبحثُ عن الثانيةِ، قليلة العرضِ إن وجدت، والبحثُ عنها متعينٌ عليهِ، أو على أضعفِ الإيمانِ أنْ يبحثَ عن منتجٍ من بلادٍ لا تجاهرُ بالعَداءِ لدينهِ ونبيهِ، ولو كانت غيرَ مسلمةٍ، يشترِي المسلم مِمَّن يُسيءُ إلى نبيهِ، دونَ استحياءٍ من اللهِ، الذي أمرهُ بتعزيرِ رسولِهِ وتوقيرِهِ، ولا استحياءٍ من نبيهِ، فلم يغضبْ لأجلِهِ، ولم ينتصرْ له.
ما تدفعهُ أيها المسلمُ في شراء سلعِة مَن يسيء ويؤذي نبيكَ، هو إساءةٌ وأذًى منكَ إلى نبيّك، والله تعالى يقولُ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
ولا تقلِّلْ مِن شأنِِ مقاطعتكَ لهذه السلعِِ، وتقولُ: ماذا أصنعُ وحدِي؟ وما تأثيرُ ذلك؟ لا تقل ذلك لأنك مسؤولٌ عن فعل نفسكَ، لا عن فعلِ غيركَ، فَابْرِئ ذمتَكَ، وانصُرْ قضيتَكَ، وانجُ بنفسِكَ، فإنّك عند السؤالِ تُسْألُ وحدَكَ، وتحملُ وزركَ لا وِزرَ غيرك، ولتكونَ بفعلكَ قدوةً تسنُّ سنةً حسنةً، والسيلُ الجارفُ مبدأه قطراتٌ تتساقَطُ، فلا تُهَوّنْ مِن أمرِكَ.
وسأعطيكُ مثالًا لما يفعلُهُ المالُ بهذهِ الدِّولِ، التي تدّعي أنَّها كبيرةٌ، إذا وُجِدتِ الإرادةُ مِن المسلمِ.
عندمَا تحاملتِ الدولُ الأوروبيةُ في حملةٍ عالميةٍ على دولةِ قطر الشقيقة، في استضافتِها لكأسِ العالمِ، تريدُ إفشالهُ، ورمَوها بكلِّ ما يقدرونَ عليه من الأكاذيبِ، حتّى بإظهار بعض شعائر الإسلام، وانتهاك حقوق العمالِ.
هذا الموقفُ المعادِي تغيرَ فجأةً دون مقدماتٍ، عندمَا أعلنتْ قطر أنّها ستعيدُ النظرَ في استثماراتِها في تلكَ الدولِ، ففي اليومِ التالي لهذا الإعلانِ، قالَ الرئيسُ الفرنسيّ والانجليزيّ والألماني وهلمَّ جرًّا: إنهم يرفعُون القبعةَ إعجابًا بروعةِ إدارةِ قطر لهذَا المحفَل! غيّرُوا مواقفَهم وطأطؤُوا الرؤوسَ على الفورِ، عندما لوَّحتْ لهم قطرُ بحرمانِهم من المالِ، ولم يُخفُوا نفاقَهم.
انتصارُ المسلم لدينهِ ولرسولهِ هو في الحقيقةِ نصرةٌ لنفسهِ؛ لأنّ اللهَ تكفّلَ بإظهار دينِه على الدينِ كلهِ ونصرةِ رسولهِ، ولو كرهَ المشركونَ، قال تعالى: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقال: (وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وقال: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)، وقالَ عن الذين يسخرونَ مِن المسلمينَ: (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال: (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
العجَبُ أنّ بعضَ بائعِي السّلعِ والأدويةِ الموردَةِ مِن هذه الدولِ المسيئةِ، لَا يكتَفِي بأذية بيعِها، بل يسخرُ من المشترِي إذَا تردّدَ في شرائِها، أو ناقشَهُ وقالَ: لَا أشْتريهَا لأنَّها فرنسيةٌ مثلًا، وربَّما ضحكَ البائع مِن حالِ المشترِي مشفقًا عليهِ، ممّا يراهُ مِن جهلهِ أو قلةِ معرفتهِ بما ينفعُهُ، حيثُ يعترضُ على منتجاتِ دولةٍ صناعيةٍ كبرى، مثل فرنْسا في نظرِهِ.
لا أدرِي أيهمَا أحقُّ بالإشفاقِ عليه، البائعُ أمِ المشترِي؟!
البائعُ أجدرُ أن يُشفقَ عليه، فإنّ كلًّا منهما – على الحقيقة – في وادٍ غيرِ الآخرِ، المشترِي يحملُ قضيةً، قضية العزةِ التي جعلَها الله لهُ ولرسولهِ وللمؤمنين، ويعلم أن لليومِ ما بعدَه، والبائعُ خَليٌّ مِن القضيةِ، منصرفٌ غافلٌ عنها، ولا ينظرُ إلى ما بعدَ يومِهِ.
لو أنّ البائعَ أو المشتري لهذه الأدويةِ والسلعِِ، طعنَ مُوردُها ومُنتِجُها فيه أو في أمِّه وأبيهِ، لغضبَ، ولمَا سمحَتْ نفسهُ بشراء سلعتهِ أو بيعها، لشعوره بأنه أوذِيَ، فيغضب لكرامتهِ وكرامة مَن يحبهُ من أمهِ وأبيهِ، فكيفَ يا رعاك الله تغضبُ لنفسكَ ولا تغضَبُ لنبيكَ، وحرمةُ نبيك ﷺ أعظمُ مِن حُرمةِ أمكَ وأبيكَ؟! قال صلى الله عليه وسلم: (وَالّذِي نفسِي بيدِهِ لَا يؤمُن أحدُكُم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ مِن نفسِه ووالِدِهِ وولدِهِ والناسِ أجمعِينَ) متفق عليه.
محبةِ النبيّ ﷺ مقدمة على أمِّكَ وأبيكَ، وعلى النفسِ والناسِ أجمعينَ، وهي شرطٌ لصحةِ الإيمانِ، فمحبتكَ للنبي أيها المشتري أو البائعُ لهذه السلعِ في المحكّ، وكذلكَ كل مسؤولٍ في الدولةِ من الرئيس والوزير والرقيبِ – ممَّن لا يدخلُ هذا المنتَجُ مِن الدولةِ المسيئةِ إلَّا بموافقتهِ وإذنهِ وتوقيعه – محبته هي أيضًا في المحكّ، وتأمَّل معي هذه الآية، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا).
فليترقب كلُّ مسيءٍ وداعمٍ له الهَوَانَ مِن الله!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
8 جمادى الآخرة 1444 هـ
الموافق 1 يناير 2023 م
الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق