طلب فتوى
2023البياناتبيانات مجلس البحوث الشرعيةصادر الدار

(بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء بإنكار ما صدر من البرلمان من تحليل القروض الربوية)

بسم الله الرحمن الرحيم
(بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء بإنكار ما صدر من البرلمان من تحليل القروض الربوية)
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوانَ إلَّا على الظالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ:
فقد تابعَ مجلسُ البحوثِ والدراساتِ الشرعيةِ بدارِ الإفتاء الليبية، ما صدرَ عن مجلسِ النوابِ، في جلستهِ المنعقدةِ يومَ الثلاثاءِ الماضي: 20 صفر 1445 هجري، الموافق: 5 / 9 / 2023 إفرنجي، وما تضمنه من إباحةِ المعاملاتِ الربويةِ في المصارفِ التجاريةِ التقليدية؛ استدراكًا على القانون رقم (1) لسنة 2013، في شأنِ منع المعاملاتِ الربوية، والذي جاءَ في المادةِ الأولى منه: “يمنعُ التعاملُ بالفوائدِ الدائنةِ والمَدينةِ في جميع المعاملات المدنية والتجارية، التي تجرى بين الأشخاص، الطبيعية والاعتبارية، ويبطلُ بطلانًا مطلقًا كلُّ ما يترتب على هذه المعاملاتِ، من فوائدَ ربويةٍ ظاهرةٍ أو مستترةٍ”.
ومجلسُ البحوثِ إذ يستنكرُ ما قام به البرلمان من هذه الجريمة المنكرة، لَيؤكدُ على النقاطِ المهمةِ الآتية:
أولًا: إنَّ ما صدرَ عن مجلسِ النوابِ، قبل أنْ يكونَ استدراكًا على قانونِ المؤتمرِ الوطني العام، هو إعلانٌ ومجاهرةٌ بالحربِ لله ولرسولِهِ؛ وتقنينٌ لإباحةِ كبيرةٍ من الكبائرِ، المجمَعِ على تحريمِها، وليستْ مسألةً اجتهاديةً، يسوغُ فيها الاختلافُ، ولا يحسنُ بالمسلمِ أن تحملهُ الخصومةُ أو يجرَّهُ العنادُ إلى مبارزةِ اللهِ بالمحاربَة.
قال تعالى: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 – 288]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ وكاتِبَهُ وشَاهِدَيهِ، وقالَ: هُم سَواءٌ) [رواه مسلم].
وقال النووي: “أجمعَ المسلمونَ على تحريمِ الربا، وعلى أنهُ مِن الكبائر” [المجموع: 9 / 391]،
وممن نقلَ الإجماعَ على تحريمِ القُروض بفائدةٍ والسلفِ بزيادةٍ ابنُ حزم قال في المحلّى : “فلا يحِلُّ إقراضُ شَيءٍ ليُرَدَّ إليكَ أقلَّ ولا أكثَرَ، ولا مِن نوعٍ آخَرَ أصلا… وهذا إجماعٌ مقطوعٌ به” [ 7 / 402].
وقد اتفقَ الفقهاءُ على أنّ كلَّ سلفٍ جرَّ نفعاً فهو حرامٌ .
ثانيًا: إنَّ ما صدرَ عن مجلس النوابِ، من تحليلِ الحرامِ المقطوعِ بحرمتهِ – فضلًا عن كونِه محاربةً للهِ ورسولهِ – يعدُّ انتكاسةً ورجوعًا إلى الوراء، بعد صدورِ قانونٍ بتحريمهِ، قال تعالى : }إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ{ ]محمد:25[، وتشريعُه ، وإلزامُ الناس به من هذا المجلس هُو رَدٌ على الله قولَه ومُضادةٌ لأحكامهِ ، على المجلس أن يتوب منها ، فإن تشريع المحرمات أعظمُ خطراً على الإيمان مِن مُجرّد العمل بها ، هذا في الوقتِ الذي نرَى فيه دولًا كافرةً، تعترفُ بأنَّ النظام المصرفيَّ الربويّ، هو أحدُ الأسبابِ الرئيسةِ للأزماتِ الماليةِ العالمية؛ وهذا الذي توصَّلوا إليه بعدَ مرارةِ التجربةِ؛ قد أخبرَنَا الله تعالى عنه بقولِه: {يَمْحَقُ ٱللهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
ثالثًا: يجبُ على أعضاءِ مجلس النوابِ، أنْ يسارعُوا بالتوبةِ من هذهِ المعصيةِ القبيحة؛ وأن يسارِعوا بالدعوةِ لجلسةٍ يردُّون فيها الأمرَ إلى ما كانَ عليه؛ من بابِ إصلاحِ ما أفسدوهُ فحسبُ، قبلَ أن يأتيَهم الموتُ بغتةً، ويقفُوا بين يديِ اللهِ تعالى، وهم يحملُون أثقالَهم وأثقالًا مع أثقالِهم، وحينَها لن تنفعَهم أموالُهم ورواتبُهم ولو افتدوا بها.
فإنْ منعهم من ذلك مانعٌ قهريٌّ، يخافونَه على أنفسِهم أو أسرِهم أو حرياتِهم؛ فليستقيلُوا من مناصبِهم، وليهاجرُوا إلَى مكانٍ يأمنونَ فيه على أنفسِهم وأهليهم، وليعلَمُوا أنَّ الخوفَ على المنصبِ ليس عذرًا، وأنَّ العزلَ منه لا يعدُّ إكراهًا. فقد نقلَ الشيخُ عليش وغيرُه من العلماءِ، عن ابنِ عرفةَ أنَّ: “خوفَ العزلِ مِن الخطةِ ليسَ مضرةً” [انظر: منح الجليلِ 3 / 138].
رابعًا: يجب على أهلِ العلم والأئمة والخطباءِ، وغيرهم من الكتاب والوجهاءِ وذوي الرأيِ والكلمةِ؛ أن ينكروا هذا المنكرَ الكبيرَ، فإنّ إنكارَه مقدمٌ على إنكارِ كثيرٍ من المخالفاتِ ومسائلِ الخلافِ، التي ينشغلُ بها كثيرٌ منهم؛ قال النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : “إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا الظَّالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ” [رواه أبوداود وغيره].
خامسًا: يجبُ على مؤسساتِ الدولةِ؛ بدءًاٰ بحكومة الوحدة الوطنية، ومصرف ليبيا المركزي، ومرورًا بسائرِ المصارف والمؤسسات المالية، وانتهاءً بسائر المؤسسات والأفرادِ؛ أن يرفضُوا العملَ بهذا القانون الجائرِ، المبدلِ لأحكام الشريعةِ الإسلامية، ويحرمُ على الجميعِ أن يمتثلُوا له، قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ اللهِ) [رواه أحمدُ وابنُ ماجه].
ونسألُ الله تعالى أنْ يجنبنَا شرَّ الفتنِ، وأن يوليَ علينا خيارَنا، إنهُ سميعُ الدعاءِ.
الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق