طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

بيع أرض الحبس باطل

التصرف في أرض محبسة مشتراة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4393)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ترك والدي رحمه الله أرضًا مساحتها (1192م2)، منها (337م2) اشتراها مِن الشركةِ العامةِ لإدارة واستثمارِ وصيانةِ أملاك الوقف ومرافق الحجّ، بمبلغ (14182 د.ل)، على أنها مال بدل لأرض وقف، وذلك سنة 1991م، كما في سجل الإيجارات لديهم، ثم سمعتُ أنّ الوقفَ لا يُباع، ولا يُوهبُ، ولا يُورثُ، فهل يصحّ شرعًا لورثته أنْ يرثُوا هذه الأرضَ؟ وفي حال عدمِ الصحةِ فما الواجبُ عليهم فعلهُ؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن أرضَ الحبس لا تُباع، ولا يُتصرف فيها بمبادلة ولا غيرها؛ لأن في ذلك تبديلًا لغرضِ المحبِّس، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صدقته: “إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا”، وقول عمر رضي الله عنه بعد ذلك: “لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ” [النسائي: 6393]، فيحرمُ التعدي على شيءٍ من الحبس، ببيعٍ أو غيره، بل يجبُ استغلالُهُ في الغرضِ الذي حُبِّس عليه، قال سحنون رحمه الله: “بَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ خَرَابًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ” [شرح الخرشي: 7/95]، فإنْ حصلَ بيعٌ لأرضِ الحبس فهو باطلٌ، يجبُ فسخهُ وردّه، ويرجع المشتري على البائع بالثمنِ إن وُجدَ عنده، فإنْ كان البائع مُعدمًا، أخذَ المشتري حقّه مِن غلةِ الوقفِ شيئًا فشيئًا، إلى أنْ يستكملَ جميعَ الثمن الذي دفعَهُ، قال ميارة رحمه الله: “… أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ، وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا، عَلِمَ الْبَائِعُ بِكَوْنِهِ حَبْسًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ … إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ غَلَّةِ ذَلِكَ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ” [الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام: 2/148].

عليه؛ فإنْ كانَ الحالُ كما جاءَ في السؤالِ، فيحرمُ على الورثة اقتسامُ الجزءِ المحبَّس مِن الأرض؛ لأن ملك الـمُوَرِّثِ لها غيرُ صحيحٍ؛ فقد اشترى من مُتعدٍّ على الوقف، باع ما لا يملكُ، ويجبُ عليهم رفعُ اليد عنها، وردُّها وقفًا على قصد واقفها، وذلك بأنْ يعيّنوا ناظرًا يتولّى الوقف، ويعمل على استثمار هذه الأرض بالكراءِ، ويكون له أجرة المثل، وأن يقومُوا بتوثيق الوقفِ بمعرفةِ العدول، مثل محرري العقودِ وغيرهم، ويشهدُوا عليه جماعةً مِن أهلِ القرية، وأن يتحرّوا معرفة الموقوفِ عليه؛ لِيُعطوا له حقه من غلة الوقفِ؛ ولهم أن يقبضُوا منها ما يُقابل ما دفعه الـمُوَرِّثُ من الثمنِ وهو الأربعة عشر ألفا، إنْ أرادُوا استرجاعَ ما دفعَهُ، واللهُ أعلمُ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

عبد الدائم بن سليم الشوماني

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03//رجب//1442هـ

15//02//2021م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق