تعويض مغصوب منه من قبل الغاصب
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2965)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أقام السيد (م) طيلة 25 عاما، من سنة 1982م إلى سنة 2007م، في منزل يقع في منطقة (ابن عاشور)، هذا المنزل مملوك للسيد (ع)، وانتهى الأمر بينهما – بعد رفع الأمر للقضاء – إلى تسليمه لمالكه طواعية سنة 2007م، وفي عام 2016م حضرَ السيدُ (م) إلى المالك الأصلي، طالبًا إبراء ذمته أمامَ الله، راغبًا في تعويضه عن الفترة التي قضاها في منزلهِ، دون وجهِ حقّ، واتفقَا على التحاكم لشرعِ الله فيما شجرَ بينهما، ويكون ذلك ملزمًا لذريتهما من بعدهما، مع الأخذ في الاعتبار الأمور التالية:
- العقار يقع في موقع متميز، في منطقة (ابن عاشور)، وهي من أفضل مناطق مدينة طرابلس، لكن مصلحة الأملاك قدرت إيجار العقار بمبلغ زهيد جدا.
- السكن عند خروج (م) منه كان في وضع يحتاج معه للصيانة والترميم.
- المالك الأصلي (ع) لحقَ به ضرر مادي ومعنوي، وأصابه المرض؛ نتيجة حرمانه من أملاكه.
عليه؛ نستفتيكم في التالي:
- 1.هل هناك حقوق ترتبت على الساكن تجاه المالك؟ وإذا كانت هناك حقوق، فكيف يتم تقديرها؟ هل بتقدير الدولة للإيجار؟ أم بقيمة إيجار تلك الفترة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فللمالك الأصلي أن يطالب بالتعويض المادي عن الفترة الماضية، ويكون بأجرة المثل في ذلك الوقت، حسب سعر السوق في تلك المدة، لا بالسعر الذي تفرضه مصلحة الأملاك العامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) [النسائي:11325]، والتراضي يكون بما اتفق عليه الطرفان، فإن لم يوجد اتفاق فيرجع في الأجرة إلى ما تعارف عليه الناس، والله أعلم.
- 2.هل يخصم منه ما تم تسديده للدولة، أم لا؟ مع العلم أن المالك الأصلي لم يصله منه شيء، ولا سبيل لبلوغه.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ما دفعه الغاصب للدولة لا يحسب من قيمة الإيجار، وعلى الغاصب مطالبة الدولة به؛ لقول الله تعالى: )فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ( [البقرة:194]، والله أعلم.
- 3.هل للمالك الأصلي الحق في المطالبة بصيانة العقار؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن صيانة البيت، وإصلاح مرافقه، وما وهَنَ من بنائه، تكون على المالك، لا على الساكن؛ لأن الساكن يدفع أجرة على هذا الاستغلال للمباني فلا يكلف بالأجرة والضمان، والله أعلم.
- 4.هل للمالك الأصلي حقوق تتعلق بجبر الضرر المعنوي؟ وكيف تقدر؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن جماهير الفقهاء على عدم جواز معاقبة المتسببِ في ضرر معنوي بغرامة مالية، قال البراذعي رحمه الله: “وَمَنْ صَالَحَ مَنْ قَذَفَ عَلَى شِقْصٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يَجُزْ، وَرُدَّ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا” [تهذيب المدونة:163/4]، وللمتضرر الصفح عن المضارِّ، أو رفع أمره للقضاء لمعاقبته بالحبس والتعزير، والله أعلم.
- 5.هل يراعي الشارع اعتبار اختلاف القيمة الفعلية للنقود؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن جماهير العلماء على عدم اعتبار تغير القيمة النقدية حال تأخير السداد.
عليه؛ فلا عبرة بتعرض العملة للانخفاض، ويكون السداد بأجرة المثل، والله أعلم.
- 6.هل تعطى الزكاة لغاصب، لسداد ما في ذمته من إيجارات، وهل يحق للمالك الأصلي إسقاط جزء من هذا الدين بزكاة يريدُ إخراجها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الساكن إن كان فقيرا، وعجز عن سداد الدين؛ فهو غارم، والغارم أحد مصارف الزكاة الثمانية، الواردة في قوله تعالى: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( [التوبة:60]، بشرط أن يتوب وتُعلم توبته، أما صاحب العقار الأصلي، فلا يباح له إسقاط الدَّين عن غريمه مقابل الزكاة الواجبة عليه؛ لأن المزكي لا يجوز له الانتفاع بزكاته في تسديد دينه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
17/شعبان/1437هـ
24/مايو/2016م