طلب فتوى
الفتاوىالمواريث والوصايا

تفسير وثيقة عرفية في ميراث

بيان حقوق ورثة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4124)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحن ورثة (غ)، كانت لجدّ والدنا قطعة أرضٍ بمدينة زليتن، وكانت مغصوبة منذ أيام الاحتلال الإيطالي، ثم خصصتْها أمانة المرافق لأحد المواطنين، فسعى والدنا في منعِ هذا التخصيص، ورفع دعوى أمام محكمة زليتن للمطالبة برد هذه القطعة لورثة (ح)، ولما لم تفلح جهوده أمام المحكمة شُكّلت لجنة للصلح، فقاموا بردها لوالدنا (غ) على أنها حبس على الذكور دون الإناث، وقد حصل خطأ من والدنا واللجنة الشعبية في فهم الوثيقة العرفية، حيث سجلا الأرض لورثة (ح) الذكور، ظنًّا منهما أنها محبسة على الذكور، وقد تنازل ورثة (ح) الذكور لوالدنا عن حصصهم فيها مقابل تنازله لهم في أماكن أخرى، ثم استحدثنا فيها نحن ورثة (غ) عدّة شقق للذكور أيضًا، والآن بعد قراءتنا للوثيقة العرفية، تبين أن قطعة الأرض ملك لـ(د)، وليست لابنه (ح)، ولا بحبس أصلا. فهل يجوز لنا أن نعوّض باقي الورثة عن الأمتار التي يستحقونها في الأرض، بسعر وقت وضع أيدينا عليها وذلك سنة 1989م، أو نعاوضهم بأمتار مساوية في العدد من أماكن ما زلنا شركاء معهم فيها، ولم تقسم إلى اليوم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكر، من كون الأرض ليست وقفًا على الذكور دون الإناث، وأنّ جعلها كذلك إنما حصل بسبب خطإٍ في فهم الوثيقة، فإن الأرض ترجع تركة لورثة المالك، وهو (د)، ويكون جميع الورثة شركاء في الأرض على الشيوع، وذلك بمنزلة طروّ وارثٍ على تركة قام الورثة بقسمتها، فقد نص الفقهاء على نقض القسمة فيها، قال التسولي رحمه الله: “(وَيُنْقَضُ الْقَسْمُ لِوَارِثٍ ظَهَرْ) كَثَلاثَةِ عَصبَةٍ اقْتَسَمُوا التَّرِكَة، ثمَّ طَرَأَ رَابِعٌ فَتُنقَضُ الْقِسْمَةُ لأَجلِهِ إِذَا كَانَ الْمَقْسُوم مُقَوّمًا كَدَارٍ وَحَيَوَانٍ” [البهجة:2/235].

وأما تنازل ورثة (ح) الذكور لأخيهم (غ) عن حصتهم، فينبغي أن تعمل فريضة شرعية يعرف من خلالها ما يستحقه إخوة (غ) فذلك من حقهم أن يتنازلوا عنه لـ(غ) وما زاد عليه فلا حق لهم في التنازل عنه لا بعوض ولا بغير عوض، وهذا القدر الزائد يعدّ مستحقّا لباقي الورثة الذين مُنعوا من نصيبهم بناء على حبسيّة الأرض، ثم إن ورثة (غ) مخيرون بين أن يتمسكوا بالجزء غير المستحق مما تنازل لهم به إخوة (غ) من نصيبهم في الفريضة، ويردوا الزائد للمستحقّ منهم بعينه، وبين أن يردّوا الجميع ويستردوا الثمن الذي دفعوه لإخوة (غ)، قال الدسوقي رحمه الله: “إِنْ كَانَ – أي البعض المستحَقّ – شَائِعًا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَلَيْسَ مِنْ رِباعِ الْغَلَّةِ كَبَعْضِ حَيَوَانٍ، خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّ الْبَيْعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ، أَوْ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الْمُسْتَحَقُّ شَائِعًا فِيمَا يَنْقَسِمُ، أَوْ فِيمَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلْغَلَّةِ خُيِّرَ أَيْضًا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِالْبَاقِي وَيَرْجِعَ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ” [حاشية الدسوقي: 3/469].

وأما إعطاء المستحقّين من الورثة شيئًا في نظير نصيبهم من الأرض، فلا يجوزُ، إلا بعد إعلامهم بحقهم فيها، ورضاهم بما يُعرض عليهم من عوض؛ لكونهم شركاء في الأرض، مالكين لحصّة فيها، فإن قبلوا بأخذ العوض وتنازلوا عن حصتهم جاز لكم الاختصاص بالأرض، وإن لم يقبلوا بذلك فلا يجوز إجبارهم على التنازل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عن طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [أحمد:20695]، وطريقة إيصال الحقّ إليهم حينئذٍ تكون بقسمة الأرض على جميع الورثة، إن كانت تحتمل القسم، والأولى أن تجعل حصّة أبناء (غ) من الأرض في المكان الذي بنوا فيه، أما إن كانت القسمة متعذّرة، فتقوّم الأرض أوّلا دون البناء، ثم تقوّم مع البناء، ليعلم ما زاده البناء في قيمة الأرض فيختص به من بناه – وهم ورثة (غ) كما ذكر في السؤال – لأنّ بناءه فيها كان بشبهة، ثمّ يقسم باقي الثمن بين المستحقين بقدر نصيبهم المستحَقّ، وبين ورثة (غ)، قال مالك رحمه الله: “كُلُّ مَنْ بَنَى فِي أَرْضِ قَوْمٍ أَوْ غَرَسَ بِإِذْنِهِمْ وَعِلْمِهِمْ، فَلَمْ يَمْنَعُوهُ، فَلَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ قَائِمًا كَالبَانِي بِشُبْهَة” [البيان والتحصيل: 11/231]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

25// جمادى الآخرة// 1441هـ

20// 02// 2020م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق