بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4308)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
طلبت أمي مني ومن أخواتي التوقيع على عقد بيع لحصتنا في ورث جدتي من عمي، الذي آل إلينا بعد وفاة والدي رحمهم الله، وهي مصرةٌ على ذلك، وعلقت رضاها علينا بذلك، مع العلم أن قيمة العقد أقل من ثمن المثل، وفيه غبن لي ولأخواتي البنات، فرفضنا الموافقة عليه، ووافق الذكور، فهل نحن عاقون لأمنا إذا خالفنا ما طلبته منا؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فقد عظم الله حق الأمهات، وأوجب على الأبناء القيام بحقوقهن ومعاملتهن بالحسنى، فقال تعالى: ﴿أَنُ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14]، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ [الأحقاف: 15]، ونهى تعالى عن عصيان أمرهما أو مخالفته في المعروف، فقال تعالى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيماً﴾ [الإسراء: 23]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) [البخاري: 7257]، ولا يجوز للأم أن تطالب أبناءها بما يضرهم أو يفوت مصالحهم في أموالهم، ولو بجزء منه، إلا إذا احتاجت في نفسها، فلها أن تطالبهم بنفقتها وحاجاتها، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا الْقُوتُ عِنْدَ الْفَقْرِ وَالزَّمَانَةِ … وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى التَّمْلِيكِ، وَكَمَا كَانَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (أَنْتَ) لَيْسَ عَلَى التَّمْلِيكِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَمَالُكَ) لَيْسَ عَلَى التَّمْلِيكِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى الْبِرِّ بِهِ وَالْإِكْرَامِ لَهُ” [الاستذكار: 7/525]، وقال الصنعاني: “وَأَمَّا حَدِيثُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: “أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ”، أخرجه أبو داود والترمذي، وغيرهما، فَهْوَ جَوَاب عَنِ الْأَحَقِّ بِالْبِرِّ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِتَمَلُّكِهَا مَالَهُ، إِذِ الْبِرُّ لاَ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ قَطْعًا، إِذِ الْبِرُّ الْإِحْسَانُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ، وَلَيْسَ مِنْهُ أَن تمْلِكَ أُمُّهُ مَالَهُ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِنسَانِ الْبِرُّ بِأَرْحَامِهِ، وَلاَ يَمْلِكُونَ مِن مَالِهِ شَيْئًا ..، فَأَثَرُ جَابِرٍ، وَعُمُومُ “مِنْ كَسْبِكُمْ” لاَ يَنهَضَانِ عَلَى مِلْكِ الْأُمّ شَيْئًا مِنْ مَالِ ابْنِهَا” [رسالة لطيفة في شرح حديث أنت ومالك لأبيك: 37-38].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فلا يجب على الأولاد شرعًا بيع أملاكهم دون رضا منهم ولو ذكرت الأم عدم رضاها عنهم إن لم يفعلوا، وامتناعهم عن البيع لا يعد عقوقا؛ لأن البر بالوالدين هو طاعتهما في المعروف وفي كل أمر جائز ما لم يحصل منه عنت للأولاد، وبيع أموالهم دون رضاهم من أكل أموال الناس بالباطل الذي لا يحل، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29]، وفي الحديث: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [مسند أحمد: 20695]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22//ربيع الآخر//1442هـ
07//12//2020م