طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبةالوقف

حبس باطل لعدم الحوز

بمَ تثبت الحيازة في الوقف؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4664)

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة ما نصه: (وبعد فقد حضر لدى كاتبه سيدي س ص طائعا مختارا في حال صحته وجواز أمره بأنه حبس وأبد ووقف وسرمد جميع ما له وعلى ملكه من أرض وشجر حاضرة وبادية على بناته لصلبه الموجودات الآن … وعلى من سيوجد له من الذكور والبنات بقية عمره – إن قدر الله بذلك – وعلى عقب الذكور خاصة وعقب عقبهم ما تناسلوا الذكور دون الإناث… إلى آخر الشروط وذكر الأملاك وجعل مرجع الحبس إذا انقرضن بناته لصلبه ولم يكن له ولد ذكر من صلبه لزاوية جده الشيخ سيدي مفتاح سواق الحجل، وفي آخره: وأذن المحبس المذكور لبنته م أن تقبل وتحوز لنفسها ولأخواتها المذكورات لصغرهن ما عدا ش وتحوز لمن سيوجد من الذكور والإناث ولعقب الذكور منهم وأذن لش أن تقبل وتحوز لنفسها شهد على المحبس المذكور من سمع منه بتاريخ 1338هـ، ثم ذكر أسماء الشهود)، وثيقة الحبس المذكورة ليس فيها ما يدل على حوز المحبس عليهن أو بقبولهن لما حبس المحبس، فهل يبطل الحبس بذلك؟ علما بأن ورثة س ص وهن بناته وعصبته اقتسموا هذه الأملاك بينهم، وأن س ص المذكور بقي بمنزله إلى أن توفاه الأجل، ولم نسمع من أحد ممن سبقنا أنه أقبض بناته غلة الأراضي المذكورة، وكان يحرثها ويعمرها بنفسه.

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالحبس المذكور باطلٌ؛ لعدم وجود ما يدل في الوثيقة على حوز المحبس عليهن لأنفسهن ولمن ذكر، وشرط الحبس حصول الحوز من المحبس عليهن، بمعاينة الشهود له، قبل حصول مانع بالمحبس من موت أو مرض، فإن مات المحبس قبل حوز المحبس عليهن فالحبس باطلٌ، وترجع الأملاك المذكورة ميراثًا، تقسم حسب الفريضة الشرعية، قال ابن أبي زيد رحمه الله: ” وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا بِالْحِيَازَةِ فإن مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة: 117]، وحوز البنات المتزوجات لأنفسهن ولمن ذكر شرط، قال العدوي رحمه الله: “وَمَا وَهَبَهُ ‌لِابْنَتِهِ ‌الْبِكْرِ فَيَحُوزُ لَهَا وَلَوْ بَلَغَتْ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَوْ تَبَيَّنَ مِنْهَا الرُّشْدَ” [حاشية العدوي على كفاية الطالب: 2/259]، وقال الدسوقي رحمه الله عند قول خليل: إِلاَّ لِمَحْجُورِهِ إِذَا أَشْهَدَ وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ: ” بَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ لِلصِّحَّةِ وَهْوَ أَن لاَ يَكُونَ مَا حَبَّسَهُ الْوَاقِفُ عَلَى مَحْجُورِهِ مُشَاعًا… وَحِينَئِذٍ إِذَا حَبَّسَ عَلَى أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَالَّذِي يَحُوزُ لِلصِّغَارِ إِخْوَتُهُمُ الْكِبَارُ بِتَقْدِيمِ الْأَبِ لَا أَبُوهُم، فَلَوْ حَازَ الْأَبُ ذَلِكَ لِحَقِّ الصِّغَارِ ثُمَّ حَصَلَ مَانِعٌ بَطَلَ الْوَقْفُ” [حاشية الدسوقي: 4/82]، ولا بد من ثبوت الحيازة بمعاينة الشهود للمحبس عليهن، يتصرفنَ لأنفسهن تصرفَ المالك في ملكه، بقبض الغلة وتعمير الأرض، ونحو ذلك من وجوه التصرف، قال النفراوي رحمه الله: “وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْحَوْزِ فِي الْحُبُسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرَّهْنِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا، فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ لَمْ تَنْفَعْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ حَتَّى تَشْهَدَ عَلَى الْقَبْضِ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ شَرْطٌ” [الفواكه الدواني: 2/153]، ثم قال رحمه الله: “(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا تَثْبُتُ بِهِ الْحِيَازَةُ وَفِيهِ خِلَافٌ، قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَقِيلَ يَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَصِفَةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَدْلُ عَايَنْته تَحْتَ يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْوَاقِفِ، وَلَا يَكْفِي إقْرَارُ الْوَاقِفِ بِالْحَوْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ” [المصدر السابق: 2/161].

عليه؛ فإن قسمة الورثة للأملاك على حسب الفريضة الشرعية صحيحة، لعدم ثبوت الوقفية، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

25//صفر//1443هـ

03//10//2021م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق