حرمان المرأة من حقها في الميراث من عادات الجاهلية
الاستيلاء على حق المرأة بسيف الحياء
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3883)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية الأسئلة التالية:
السؤال الأول: ما الحكم الشرعي في الدعوات التي تصدر عن بعض الناس بإنكار نصيب المرأة من الميراث، أو رفضِ إعطائها إياه، أو بالدعوة للمساواة بينها وبين الرجل؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن حرمانَ المرأةِ مِن إرثِها بالكلية أو جزء منه هو مِن عاداتِ الجاهلية، وهو أمرٌ محرمٌ شرعًا، قالَ تعالَى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ [النساء:7]، وقد حدّدَ الشارع نصيب كل وارثٍ؛ ذكـرًا كان أو أنثى، فيجب إعطاء صاحب كلّ حقٍّ نصيبَه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ…) [أبوداود:2870]، هذا هو العدل، وأما المساواة بين نصيب الأبناء، الذكور والإناث، فمخالفة صريحة للشارع، قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء:11]، والتسوية بينهما تعد على حدود الله، وقد ختم الله آيات المواريث بقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَّعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [النساء: 13-14].
عليه؛ فليحذر المسلم من الإعراض عن تطبيق الأحكام الشرعية بعد تبيُّنها، فإن ذلك من أعظم الإثم، قال تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَنْ يَّأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ﴾ [الشورى:47]، بل قد يصل الإعراض إلى الكفر، إذا كان المانع عدمَ الاقتناع بالحكم الشرعي بعد تبينه، أو كراهته، أو تفضيل حكمٍ آخر على حكم الشرع، والله أعلم.
السؤال الثاني: ما حكم من تنازلت من النساء عن حصتها تحت ضغط ثقافة المجتمع، حيث تقول: ما يقول عليّ الناس إذا أخذت حصتي من أهلي؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإذا تنازلتِ المرأة عن حصتها من الميراث، وكان ذلك بسبب ما يفعله بعض الإخوة مع أخواتهم، من أخذ حصتهن بسيف الحياء، ويسمونه تنازلًا، أو بسبب ضغوط المجتمع والعادات، وليس بطيبِ نفسٍ منهنّ، فهو مِن الظلم، وأكلِ المال بالباطل، ولا يحلُّ أخذه، يقول الله جل جلاله: ﴿وَمَنْ يَّظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 19]، ويقول جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [أحمد: 20695]، والله أعلم.
السؤال الثالث: ما حكم من تولى قسمة تركة متنوعة، وعند القسم بين الأبناء أعطى البنات بيت العائلة القديم أو قطعة أرض، دون تقدير للقيمة أو تساوٍ للحصص؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن من يتولى القَسم بين الورثة مطالب بالعدل واتباع الشرع، وليس مخيرًا بأن يقسم كيفَ شاء، فقدِ ائتمنَ من قبل الورثة على أداء حق ما لكلّ منهم، ورضُوا به حكمًا بينهم، فلا يجوز له الميل للذكور في القسم، بأن يعطي الإناث الشيء اليسير بحججٍ ما أنزلَ الله بها من سلطان، بل هي من عمل الجاهلية، وقد قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء:58]، قال القرطبي رحمه الله: “وَالْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ النَّاسِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْوُلَاةَ،… وَتَتَنَاوَلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَالتَّحَرُّزِ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَالرَّجُلِ يَحْكُمُ فِي نَازِلَةٍ مَا وَنَحْوَهُ” [الجامع لأحكام القرآن: 5/256]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/شعبان/1440هـ
29/04/2019م