طلب فتوى
الإجارةالشركةالفتاوىالمعاملاتالهبة

حصة الأبناء في التجارة مع أبيهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4300)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحن خمسة أبناء، يعمل بعضنا مع أبيه في تنمية مال الأب بالتجارة والصناعة، ولا يوجد اتفاق بينهم وبين أبيهم، وهم خلال هذه المدة يسجلون ما يصرفونه في معاشهم وبناء مساكن لهم، فهل يصحّ لمن عمل من الأبناء حصة في رأس مال الأب في الأصول، إضافة إلى حصصهم في الأرباح؟ وهل يعد ذلك من التفرقة بين الأبناء؟ وفي حالة عدم استحقاقهم الحصة المذكورة، فهل يجوز للأب إعطاؤهم حصة في رأس المال بما يقابل جهدهم؟ وهل يجوز للأب إعطاء أرباح تشغيل عن الفترة السابقة عقارًا بدل النقد؛ لعدم وجود نقد كاف لديه الآن؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن عمل الأبناء مع أبيهم وسعايتهم في تجارته يستحقون عليه أجرة المثل، ما دام أنه لا اتفاق بينهم، والربح ورأس المال بأكمله للأب؛ لأن القاعدة أن الربح لرأس المال، والخسارة عليه، قال ميارة رحمه الله: “قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: مَنْ عَلَيْهِ التَّوَى فَلَهُ النَّمَا، وَالتَّوَى بِالْمُثَنَّاةِ وَالْقَصْرِ أَيْ ضَمَانُ الشَّيْءِ إِذَا هَلَكَ، وَالنَّمَا الزِّيَادَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَّةُ” [الإتقان والإحكام: 2/258]، ووجبت أجرة المثل بالنقد للولد؛ لأنه الأصل، قال الرباطي رحمه الله: “الْأَصْلُ فِيمَن عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلاً لاَ يَلْزَمُهُ وَأَوْصَلَ لَهُ نَفْعاً أَن يُقْضَى لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عَيْناً؛ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَصْلَ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ بَيْعاً وَإِجَارَةً” [شرح الرباطي على نظم العمل الفاسي: 240].

وأما احتساب ما أنفقه الأبناء على أنفسهم طيلة الفترة الماضية، فيتعلق الحكم فيها بغرض الأب في ذلك، فإن أراد الرجوع به ابتداء فله ذلك، وإن قصد الصلة والمعروف لأبنائه فلا تحتسب على الأبناء، ولا تخصم من أجرتهم، وكذا لو ظهر ذلك من الأب عند طلب الأبناء أجرتهم، قال التسولي رحمه الله: “وَكُلُّ مَا لَا يُطْلَبُ إِلَّا عِنْد الشَّنَآنِ وَالْخِصَامِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّلَةِ” [البهجة شرح التحفة: 2/118]، قال عليش رحمه الله، جوابًا على سؤال يتعلق بعمل الابن مع أبيه في التجارة: “نَعَمْ لَا يُجَابُونَ لِمُقَاسَمَةِ أَبِيهِمْ فِي أَمْوَالِهِ وَأَطْيَانِهِ بَلْ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ وَأَطْيَانِهِ لَهُ وَحْدَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ لِعَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْمُسَامَحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَمَنْ يَكْتَسِبُ مَعَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ فِي التَّكَسُّبِ وَالنَّفَقَةِ حُمِلَ الْجَمِيعُ عَلَى التَّبَرُّعِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ وَمَا غَرِمَهُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُتَبَرِّعُونَ بِعَمَلِهِمْ مَعَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا مِمَّا غَرِمَهُ عَنْهُمْ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْمُشَاحَّةِ وَالْمُحَاسَبَةِ فِيمَا ذُكِرَ حَاسَبَهُمْ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ وَمَا غَرِمَهُ عَنْهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْكَسْبِ وَحَاسَبُوهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِمْ بِنَظَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا لَهُمْ عَلَيْهِ وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ مَنْ لَهُ الزِّيَادَةُ بِهَا أَيًّا كَانَ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ” [فتح العلي المالك: 2/158].

أما عن إدخال الأب لمن عمل من أبنائه في رأس المال فالأمر في ذلك إليه، فإذا أراد ذلك حُمِل على العطية من الأب؛ لأنه المالك وحده لرأس المال، كما تقرر، وعلى الأب في هذه الحالة العدل بين أبنائه في الهبات والعطايا، والعدل لا يقتضي التسوية، فلو كان بعضهم مريضًا أو صغيرًا، أو معه زيادة بر وعناية بوالديه، وميزه بشيءٍ، فلا حرج من اختصاصه بشيء عن باقي الأبناء، وأما لمجرد عمل الأبناء معه في التجارة فلا يخصهم لذلك بشيء؛ لأنهم يستحقون على ذلك أجرة المثل.

وأما إعطاء العقار ونحوه من غير النقد -لمن عمل معه من الأولاد- في نظير الجهد بدل أجرة المثل بما يساوي الجهد الذي بذلوه، فهو من التصيير في الدين، يجوز بشرط إقباضهم العقار مباشرة وتسليمه إليهم وقت الاتفاق؛ لئلا يؤدي إلى الدين بالدين، وهو منهي عنه، فبمجرد الاتفاق على ذلك يسجل العقار باسم مستحقه من الأولاد، وأنه مقابل أجرة عمله من النقد، بعد معرفة الطرفين قدر الأجرة التي استحقها العامل مع الأب من الأولاد؛ قال البرادعي رحمه الله: “وَلاَ بَأْسَ أَن تَأْخُذَ مِن دَيْنٍ لَكَ قَدْ حَلّ، وَرِقاً مِن ذَهَبٍ، أَوْ ذَهَباً مِنْ وَرِقٍ، أَوْ مَا شِئْتَ مِنَ السِّلَعِ نَقْداً، وَمَن لَكَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَالّةً فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ بِهَا سِلْعَةً بِعَيْنِهَا حَاضِرَةً، فَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَقْبِضَهَا” [التهذيب: 3/26]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//ربيع الآخر//1442هـ

30//11//2020م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق