بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5223)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نظرًا للازدحام في منطقة الزروق بمدينة مصراتة، نود منكم -نحن أهالي قبيلة الزروق- إبداء الرأي الشرعي في إزالة مقبرة بجوار مسجد سيدي أحمد الزروق، حيث توقف الدفن فيها منذ زمن طويل، وسيستفاد من مساحة المقبرة في إنشاء موقف لسيارات المرافق المحيطة بالمسجد؛ من مدارس إعدادية، وكلية الدراسات الإسلامية، ومعهد الزروق الديني، ولإنشاء مركز مشتمل على فصول لتحفيظ النساء كتابَ الله، ومركز لتعليم الأرامل والمطلقات الحياكة والتدبير المنزلي، وغيرهما من شؤون النساء، ولإنشاء مبنى خاص بمعهد الزروق الديني، حيث إن المعهد يشغل حاليًّا إحدى المدارس بالمنطقة، ولإنشاء مرافق خدمية مكملة؛ مِن موقفٍ للسيارات، وأنشطةٍ تجارية، تتمثل في محلاتٍ وصالةِ مناسباتٍ اجتماعيةٍ للمنطقة، علمًا أنَّ ريع الخدمات المقترحة سيُجعل في مصالح المسجد، وستشكل لجنة من المنطقة تديرُ هذه المرافق.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل ألّا يتصرف في المقبرة بأيّ نوع من أنواع التصرف؛ لأن القبر حبسٌ على صاحبه مادام فيه، قال خليل رحمه الله: “وَالْقَبْرُ حُبُسٌ لاَ يُمْشَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ” [المختصر: 52]، ولما يؤدّي إليه الحفر والبناء من إيذاء للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [صحيح ابن حبان: 3167]، قال ابن الحاج رحمه الله: “فَكَانَ الْبُنْيَانُ فِي الْقُبُورِ سَبَبًا إِلَى خَرْقِ هَذَا الْإجْمَاعِ، وَانْتِهَاكِ حُرمَةِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْر قُبورِهِمْ وَالْكَشْفِ عَنهُمْ … فَيَعْمَلُونَ فِي مَوَاضِعِهِم السَّرَابَاتِ الَّتِي لِلْمَرَاحِيضِ، فَتَعُمُّ الْأَذِيَّةُ لِمَنْ نُقِلَ مِنْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ” [المدخل: 19/2].
لكنِ استثنَى العلماءُ من حرمةِ التصرف في المقبرة ونبشِ القبور، ما إذا دعتِ المصلحة العامّة إلى ذلك، قال الخرشي رحمه الله: “وَبَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مِنْ مَسَائِلِ جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَيِّتِ مَا إذَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَفِعْلِ مُعَاوِيَةَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ إجْرَاءَ الْعَيْنِ بِجَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ وَلْيَنْبُشْهُ وَلْيُخْرِجْهُ وَلْيُحَوِّلْهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا” [الخرشي: 145/2]، ولأن ما كان للهِ فلا بأس أن يستعانَ ببعضه في بعض.
عليه؛ فقد أفادتِ اللجنة المكلفة بمعاينة المقبرة المجاورة لمسجد الإمام الزروق؛ أن جزءًا منها لم يدفن فيه أصلًا، فيجوز الاستفادة منه فيما فيه مصلحةٌ شرعيةٌ؛ وجزءًا منها لم يدفنْ فيه منذ زمن قديم جدًّا، إلى أنْ فَنِيتْ عظامُ الموتى؛ فيجوزُ الاستفادة منه كذلك، وجزءًا آخر يلي القبلةَ لم تبلَ فيه عظامُ الموتى؛ فلا يباحُ نبشهُ؛ لاستغنائهم عن هذا الجزء بالأجزاء الأخرى مِن المقبرة، ويُتركُ على ما هو عليهِ لحرمةِ مَن فيه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03//ذو القعدة//1444هـ
21//06//2023م