طلب فتوى
البيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

ما حكم استبدال أرض وقف غيرِ خربة بأخرى قريبة منها؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5224)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكم استبدال أرض وقف غيرِ خربة، بأخرى قريبة منها؛ لتُجعَل في نفس الغرض؟ حيث يوجد بجانبنا أرضُ وقفٍ، عليها مسجد، وبواجهة المسجد مساحة تطل على الطريق، بها صالةٌ للمناسبات الاجتماعية، ويريد ابن المحبِّس أن يستبدل المساحة التي على الواجهة، بأرضه التي خلف المسجد؛ لتُضاف لأرض الوقف، وتُبنَى فيها صالةٌ لصالح الوقف، ويأخذ هو الأرض التي على الواجهة.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فلا يجوز بيع أرض الوقف، ولا مناقلتها، وإن وجدت المصلحة في ذلك، ما دام بالإمكان الاستفادة منها فيما حبّس عليه الواقف، ما لم ينص على ذلك الواقف في وثيقة التحبيس؛  لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صدقته: (أمْسِك أصْلَهَا، وسَبِّل الثمرة)، فقال عمر رضي الله عنه بعد ذلك: (لاَ يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ) [النسائي: 1432]، قال المواق رحمه الله: “لاَ يَجُوزُ إِبْدَالُ الحُبُسِ وَلَا بَيْعُهُ، وَيُتْرَكُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي السِنِينَ المَاضِيَةِ؛ إِعْمَالًا لِقَصْدِ المُحَبِّسِ، وِاتّبَاعًا لِشَرْطِهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ ظَهَرَتْ المَصْلَحَةُ فِي بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ” [المعيار:134/7]، بل ذهب طائفة من الفقهاء منهم الإمام مالك رحمه الله إلى عدم جواز مناقلة الوقف، وإن صار خرابًا داثرًا، حيث نقل عنه ابن أبي زيد رحمه الله قوله: “‌لاَ يُبَاعُ ‌الحُبُسُ مِنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا؛ وَإِنْ خَرِبَتْ وصَارَتْ عَرْصَةً” [النوادر والزيادات: 83/12]، ونقل الشيخ خليل عن ابن شعبان رحمهم الله: “لا ‌يُنَاقَلُ ‌بالْوَقْفِ وَإِنْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ، وَقَدْ تَعُودُ العِمَارَةُ بَعْدَ الخَرَابِ” [التوضيح: 315/7]، قال ابن عبدوس رحمه الله: “وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم دَاثِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا” [شرح التلقين: 1395/2]، هذا فيما خرب من الأوقاف، فكيف والوقف هاهنا قائم عامر منتَفَع به فيما حبس عليه الواقف! فهذا الاستبدال لا يحل حتى عند من يرى جواز المناقلة إن ظهرت فيه مصلحةٌ للوقف، فالمصلحة هنا للمستبدل الذي يريد أن يأخذ الواجهة لنفسه ويحرم منها الوقف، ففعله تعد وظلم ينبغي أن يكف عنه.

وليعلم المسلم أن للوقف حرمة عظيمة، لا يجوز التعدي عليه بالبيع والشراء والمناقلة وغيرها، إلا في حالات محصورة ضيقة، ووَفق ضوابط مخصوصة تحفظ للوقف حرمته وتضمن بقاءه على ما أراده الواقف، وقد قال الله تعالى: (‌فَمَنۢ ‌بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ) [البقرة: 181]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عصام بن علي الخمري

عبد الدائم بن سليم الشوماني

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

07//ذو الحجة//1444هـ

25//06//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق