حكم الضرائب المفروضة من الدولة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1100)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم الضرائب المفروضة من الدولة، كضريبة الجهاد، وضريبة التضامن، ونحو ذلك من الضرائب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ حرمة الأموال كحرمة الدماء والأعراض، وقد جاءت الآيات والأحاديث النبوية بذم المكوس (الضرائب)، قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل([النساء:29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن صاحب المَكْس في النار)[أحمد:17464]، وقال صلى الله عليه وسلم في المرأة التي زنت ثم تابت: ( والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْس لغفر له)[مسلم:3208]، قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “صاحب المكس: هو الذي يأخذ من الناس مالا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنَّه غصب، وظلمٌ، وعَسفٌ على الناس، وإشاعةٌ للمنكر، وعملٌ به، ودوامٌ عليه، ومع ذلك كلِّه فإن تاب من ذلك، وردَّ المظالم إلى أربابها صحَّت توبته، وقبلت، لكنَّه بعيد أن يتخلص من ذلك؛ لكثرة الحقوق وانتشارها في النَّاس، وعدم تعيين المظلومين، وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات، والمواريث، والملاهي، والمرتَّبين في الطرق، إلى غير ذلك مِمَّا قد كثر في الوجود، وعمل عليه في سائر البلاد” [المفهم:99/5]، والضرائب التي تؤخذ على الدخل كلها من هذا القبيل، لا تحل إلا عند الضرورة، بالشروط الآتية:
1- أن تكون حاجة الدولة للضريبة حاجة حقيقية وضرورية، لا وهمية أو ظنية، بحيث لا تكون هناك موارد أخرى تستطيع الدولة بها أن تسير أعمالها.
2- أن تكون الدولة فقيرة، وجوازها لا تفي بالقيام بشؤونها، وأن يكون فرض الضريبة استثنائيًّا، عند عدم الضرورة من المكوس، وتدبيرًا مؤقتًا حسبما تدعو إليه الضرورة، وأن يوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة، على أن ينتهي هذا الأمر بزوال العلّة الداعية وانتهاء الحاجة؛ إذ أن تصرف الحاكم في فرض الضريبة منوط بالمصلحة؛ فالقاعدة الفقهية تقول: “التصرف على الرعية منوط بالمصلحة”.
3- أن يكون التصرف في جباية المال وإنفاقه على الوجه المشروع، بأن يكون فرض الضريبة لإنفاق المال في مصالح الأمة، لا على المعاصي والشهوات والأهواء من قِبَل السلطة الحاكمة، ولا على ترفيه أنفسهم وأسرهم، ولا لترضية السائرين في ركابهم.
4- أن تُؤخذ من فضل المال، أو ما يزيد عن حاجة المكلفين الأساسية، فمن كان عنده من المكلفين فضل عن إشباع حاجاته الأساسية أُخذت الضريبة من هذا الفضل، ومن كان لا فضل عنده بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية؛ فلا يؤخذ منه شيء.
وأما إذا كانت الضرائب خدمية، تؤخذ نظير خدمة تقدم للناس، كالضرائب التي تؤخذ على الجمارك، وخدمات الموانئ، والمرور في الطرقات ونحو ذلك، فلا حرج فيها، لكن بشرط أن تقوم الدولة من جانبها بتقديم الخدمة المطلوبة التي تضمنتها لوائحها، فلو كانت الضريبة مثلا على المرور، فيجب على الدولة أن تقوم بالخدمات التي نَظَّمَها قانونُ المرور، بما يوفر السلامة في السير على الطرقات، لا أن تجبي الدولة الضرائب، ولا تؤدي ما عليها من خدمات.
وضريبة الجهاد – الواردة في السؤال – جوازها من عدمها، تخضع لهذه الشروط. أما التضامن فهو من التكافل الاجتماعي ولا حرج فيه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26/جمادى الأولى/1434هـ
2013/4/7